من أغرب التصريحات التي صدرت بعد يوم 11/11، والذي عُرف إعلاميا بثورة الغلابة، تصريح رئيس وزراء الانقلاب (الصايع الضايع)، والذى قال فيه: إن الشعب المصري اختار الاستقرار والبناء والإصلاح!!
ومِن وجهة نظر هذا الصايع الضايع أنّ الشعب المصري اختار الاستقرار والتنمية، ورفض أي دعوات تخالف ذلك، لأن البناء الذي يتم خلال المرحلة الحالية والمستقبلية قائم على الاستقرار!! عن أي استقرار يتكلم هذا الكائن فى الوقت الذي يبحث المواطنون عن الطعام فى أكوام القمامة؟؟!!
لكن الحقيقة أن الشعب آثر السلامة والبعد عن غشم النظام الانقلابي الذي لا يملك إلا القهر والظلم وانتهاك الحقوق والحريات، حتى أصبح الشعب المصري في ظل هذا النظام الانقلابي، كما لو كان يعيش في كوريا الشمالية!!
لكن الشيء الذي غاب عن كثير من الناس هو أن ثورة يناير كانت في مواجهة شرطة العادلي وأمن الدولة، لكن اليوم الثورة فى مواجهة جلاوزة الشرطة، وعسكر كامب ديفيد وجيش البلطجية الذي شب وترعرع في أحضان النظام الانقلابي، والدولة العميقة وفلول نظام المخلوع والثورة المضادة من قضاء وإعلام ورجال أعمال فاسدين !!
وإذا أضفنا إلى ذلك أن داخلية الانقلاب اتخذت إجراءات أمنية مشددة تحسبا لهذه التظاهرات، والمحافظين ذوي الخلفيات العسكرية والمدنية، ومديري أمن الانقلاب الذين قاموا بجولات ميدانية تفقدوا خلالها تأمين الميادين، والمنشآت الحيوية، وأكدوا استعدادهم للتصدي لأي محاولة للخروج على القانون أو ارتكاب أعمال عنف أنهم سيقومون بالقتل خارج نطاق القانون!!
وأكدت داخلية الانقلاب أن أجهزتها الأمنية ستتوخى اليقظة والحذر وتوسع دائرة الاشتباه، وستضرب بيد من حديد من يفكر في زعزعة الأمن، موضحة أن القوات الخاصة والمجموعات القتالية المزودة بأسلحة متطورة ستتواجد في الشوارع لحفظ الأمن وتأمين المنشآت الحيوية، والتصدي لأي إخلال بالأمن!! كما حملت تصريحات المسئولين الانقلابيين تهديدات صريحة للمتظاهرين بقمعهم، فقد صرح اللواء خالد أبوالفتوح مدير أمن المنوفية: أن من يحاول التظاهر دون ترخيص أو إثارة الشغب، لا يلومن إلا نفسه!!
ومتى كانت سلطة الانقلاب تمنح تصاريح للتظاهر؟؟!! كما قررت الجامعات إلغاء محاضرات طلاب التعليم المفتوح المقرر لها يوم الجمعة لدواع أمنية، ومنعت إجازات الأمن الإداري بكل الجامعات؛ حتى يشاركوا في التصدي للتظاهرات وتأمين الجامعات من الداخل، كما أغلقت المدن الجامعية أبوابها وأجبرت الطلاب على إخلائها صباح الخميس على أن تكون عودتهم يوم الأحد، كل ذلك يوحي برعب النظام الانقلابي من هذا اليوم!!
ولا يظن النظام الانقلابي أنه قد كسب الجولة، لأن مظاهر السيطرة ونشر الخوف الذي ظهر جليا يوم الجمعة الماضي، هي صورة تترجم سياسيا على أنها حالة احتجاج وحالة خوف وقلق، لأن انتشار قوات الأمن بأسلحتها ومدرعاتها بتلك الصورة، لا يعطي رسالة طمأنة للعالم الخارجي، خاصة في ظل الحديث عن الاستثمار، وجذب المستثمرين وجذب السياحة، فهل يوجد مستثمر يمكن أن يأتي إلى بلد يسوده الخوف والقلق؟ وهل يوجد سائح يأتي لبلد مستنفرة أمنيا، والمدرعات والدبابات تملأ الشوارع الخالية من المارة؟ وهل استدعاء الشرطة والجيش إلى الشارع لمحاصرة الشوارع وإغلاق الميادين ومحطات المترو وإطلاق التهديدات بأن الضرب سيكون في المليان وبالذخيرة الحية هل يكفي لعلاج أزمات النظام الانقلابي؟!!
وهل بعد كل هذا الخراب الذي تسبب فيه النظام الانقلابي، كما حدث في فنكوش مشروع قناة السويس، والذي أهدر فيه عشرات المليارات بدوافع سياسية، كما صرح بذلك زعيم عصابة الانقلاب، بأن الهدف هو رفع الروح المعنوية للشعب المحبط من حكم العسكر؟!!
ما يؤكد أن النظام الانقلابي يعي جيدا أنه فاشل، ولا يمكن أن يستمر في الحكم طويلا، في ظل الفساد والظلم والنهب الممنهج لمقدرات البلاد إلا عبر القمع والقهر، ولكن القمع لن يدوم طويلا، وهو يدرك أن نهايته باتت وشيكة !!
وعلى الرغم من كل ما قيل عن هذا اليوم، إلا أنه كسر حاجز الخوف، وأن الشباب خرج يواجه الرصاص الحي بصدور عارية، بالرغم من التهديدات التي مارسها الإعلام الانقلابي طوال ألأيام التي سبقت يوم الجمعة!! فالشعب كله تظاهر فعلا ولكن بطريقة عكسية، الشوارع خالية تماما من الشعب، والمحلات مغلقة طوال اليوم، ولا وجود فى الشارع إلا لجلاوزة الشرطة!!
لكن اللافت هو اختفاء التيار المدني، الذي ملأ الدنيا ضجيجا على مدار الفترة الماضية عن النظام الانقلابي، الذي باع الأرض والعرض، هذا التيار الذي ظل يملي شروطه للعودة للشارع، شريطة عدم رفع لافتات رابعة، أو المطالبة بعودة الرئيس مرسى، أو الاعتراف بالشرعية أو غير ذلك من الشروط!! ولكن اقتصرت المظاهرات والمسيرات على الإخوان فقط أو من يناصرهم، على الرغم من أن الدعوة لم تصدر عنهم لأنهم لم يغادروا الشارع أصلا منذ ثلاث سنوات!!
ولقد أراد النظام الانقلابي أن يوجه رسالة للداخل باستعراض قوته، وأنه قوي ومسيطر على مقاليد الأمور، وأن الثورة انتهت ولم يعد لها مجال، وأن الذين يحاولون الترويج لفكرة أن هناك صراعَ أجنحة لا وجود له فى الواقع، بدليل نزول المشير طنطاوي لميدان التحرير، وتكريس اليأس والإحباط لدى الشعب، وهي الرسالة التي يمارسها الإعلام الانقلابي وأذرعه الإعلامية!!
كما وجه رسالة للخارج بأن بديل النظام الانقلابي هو الإخوان المسلمون، أو الإرهاب الذي يحاول تسويقه فى كل مناسبة!!
ومع ذلك نعتبر أن يوم الجمعة الماضية ما هو إلا حلقة من حلقات الصراع مع النظام الانقلابي، وألقت حجرا لتحريك المياه الراكدة للحراك الثوري!
أضف تعليقك