وللخرسانة أسرار
وكما أنه لولا اختلاف العناصر لما استقامت الخرسانة فلولا اختلاف الناس لما استقامت الحياة .
هذا الإسمنت هو في حقيقته تراب لكنه تعرض لتجربة الحرق الصعبة . فتغيرت طبيعته . أصبح مختلفا ويتعامل مع غيره بطريقة مختلفة .
أصبح قادرا على التماسك . قادرا على جمع كل العناصر المتنافرة المختلفة الأشكال الأحجام . وكأنه يصالحهم مع بعضهم . يوفق بينهم على اختلاف أشكالهم وأحجامهم .
فهذا زلط كبير وقاسى . ورغم مظهره القوى إلا أنه لم يتعرض لشئ من تجارب الحياة . من محجره الى موقع العمل . لم يدخل عليه أى تعديل .
وكأنه رجل مهيب الطلعة لكنه متواضع الطموح . أصابه الجمود ولا يستطيع أن يتطور .
وهذا رمل أصفر وناعم لا يتفق مع الزلط شكلا ولا حجما .
وهذا ماء سائل وشفاف يختلف عن الجميع .
ومع أن الإسمنت أسودهم لونا وأنعمهم وأضعفهم قوة في الظاهر . إلا أنه قادر على التوفيق بينهم وجمعهم . فأصبحوا أقوياء به وهو قوى بهم .
وكأنهم جميعا على اختلاف الشكل واختلاف الحجم واختلاف العدد واختلاف القوة وافقوا أن يطيعوا ويتجمعوا ويتحدوا وينقادوا لمصلحة الجميع .
ومع أن الإسمنت يبدوا في ظاهره وفى أصله ترابا لا قيمة له . إلا أن محنة الحرق الشديدة أضافت له قوة هائلة وإمكانات خاصة وقيمة كبيرة وقدرة على القيادة وكأن صبره على الحرق جلب له احترام الجميع .
والحكمة أن المحن والابتلاءات تربى وتقوى وتحسن الطباع . وتؤهل للتميز والقيادة فهذه سنة الله فى خلقه وحتى فى أنبياءه.
وأن القائد لابد أن يضحى أكثر من الجميع . لابد أن يكون ألين وأنعم من الجميع حتى يستطيع أن يحتويهم . فالغلظة والشدة لا تجدى . ربما تكسر وتهدم وربما تجرح ولكنها أبدا لا تجمع ولا تبنى .
وإن الاختلاف حينما يتم استغلاله وتوظيفه جيدا فإنه يكون من عوامل القوة . وأن الاتحاد مفيد للجميع . وأن وحدة الهدف أول طريق الانتصار .
و تعلمت من مهنتى
لا بد من هز الأسف والأعمال والقواعد جيدا أثناء الصب لتتداخل عناصر الخرسانة . ويستخدم لذلك هزازات قوية . ويتم ضرب الأعمدة بالمطرقة بشدة من مختلف جوانب العمود .
ونتيجة للضرب والهز تتجمع الخرسانة حول بعضها وتتداخل . وكأنها المصائب تجمع المصابين .
وبقدر ما يكون الطرق قويا والهز عنيفا بقدر ما تجد خرسانة قوية متلاحمة يصعب اختراقها أو النفاذ من خلالها بعد فك الخشب عنها فيما بعد .
تتحمل الطرقات فى بداياتها لتتحمل الأحمال الأكبر والطرقات الأشد فى قابل عمرها وحياتها .
فالهزات القوية والطرق الدائم المستمر يزيدها قوة عكس ما يبدو للناس .
فإن لم يتم ذلك الطرق كان هناك تعشيش . فراغات لم تمتلئ جيدا . وكلما كانت الفراغات كبيرة قلت كفاءة البناء حتى إذا زادت عن حدها لزم الهدم والصب من جديد . بتكاليف جديدة ومجهود آخر ووقت آخر .
ويستمر الضرب والهز حتى يرى الناس الماء والزبد الذى لم يتحمل الضرب . يخرج من داخلها على السطح ليتبخر وتبقى العناصر النافعة التى تساهم فى قوة البناء .
قد تزيد الضربات من تماسك الصالحين النافعين .
وقد تزيد الهزات الصفوف قوة . حتى إذا زال الغطاء وانكشف الابتلاء . انكشف عن صف متماسك قوى . متلاحم ومترابط . ناعم الملمس من الخارج . لكنه أقوى وأشد ما يكون من داخله . يصعب اختراقه أو النفاذ من خلاله .
يحمل الجميع ويحتوى الجميع بقوة وكفاءة وقدرة أكبر على الاستمرار .
أضف تعليقك