جلس ريتشارد وفيليب وابن العلقمي وبوتين وروحاني وبشار على تبة مرتفعة تطل على المدينة الشهباء يتناظرون حول الحل الناجع لدحر هذه المدينة التي شوهت تاريخا كانوا يريدونه ناصعا. الحقد والمرارة التي كان يدور بها الحديث بينهم توحي بأن الدمار يجب أن يكون شاملا. يجب أن تكفر حلب عن فظاظتها التاريخية في دحر الطغاة، ابتسم بوتين وروحاني على حالة قدمائهم النفسية المرتعشة من هزيمة جديدة. أما بشار فقد كان قلقا مضطربا يجلس يتحسس أقدامهم في رعب ولسان حاله هل سننجح فيما فشل فيه أسلافنا.
من الوهلة الأولى للناظر المتفحص لما يحدث في حلب يجد أن الوضع لا يعدو عن طرفين يتصارعان من أجل البقاء على اختلاف أفكارهم. إلا أن نظرة عميقة تفضح حقيقة المأساة داخل هذه المدينة التاريخية بأحيائها، فهي عملية تصفية لحسابات تاريخية قديمة ليس لحلب وحدها بل لكل مدن الشام ذات العبق التاريخي الذي يزكم أنوف الطغاة والغزاة في هذه اللحظات.
حلب ستضرب القدوة في المقاومة الشريفة ومنها ستنطلق الشرارة التي ستكون سببا في إيقاظ أمة مخدرة. حلب تدفع الضريبة جثثا ودماء وتشريد لكنها تربح كرامة أمة تستحي أن تفيق من ثباتها.
التاريخ يقول أن حلب وأخواتها كانت صخورا تكسرت عليها جيوشا عديدة حاولت النيل من كرامة أمة سكنتها، وعندما تأتي الفرصة لتأديب هذه المدن المارقة يجب أن يكون الحساب على القديم والجديد. حلب اليوم تدفع فاتورة تاريخية عن أمة تخلت عن ريادتها وسيادتها وتراجعت لتأخذ موضع المتفرج. تشاهد انتهاك حرمات رعيتها عيانا بيانا وما من مجيب.
ويبدو أن هذه الأمة استمرت في هذا الوضع منذ فترة بعيدة فلم تتحرك لمجازر عديدة في مختلف انحائها من كشمير لبورما للشيشان ومن بعدها البوسنة وكوسوفا ومن قبل كل ذلك فلسطين وصولا لما حدث في لبنان وحماة ورابعة العدوية وليست حلب بآخر المطاف. حلب حلقة في سلسلة ممتدة وستظل إلى أن تفيق الأمة من غفلتها، فمن حلب إلى بغداد فصنعاء وقريبا القاهرة والرباط. هي حلقة مفرغة ستدور لتأتي على الغافلين.
الشيعة يريدون تصفية حساباتهم التاريخية للمدينة التي انطلق منها الإسلام السني ليقضي على شيعة بلاد الشام على يد عماد الدين زنكي ونور الدين محمود، وعلى اعتبار أن صلاح الدين امتدادهم الطبيعي فقد قضى هو الآخر على الشيعة في القاهرة، ومن ثم تآكل نفوذ الشيعة لفترة طويلة عن قطاعات كبيرة من بلاد الشام والعراق. نفس المدينة كان منها الانطلاق لتحرير بلاد الشام من صليبي أوروبا وكان لها الفضل في توجيه الجهد الإسلامي ضد الحملات الغربية ومن ثم ليس عجيبا أن تدفع المدينة الباسلة الثمن ولو بعد قرون.
هنا يجب أن نؤكد على أن التاريخ أيضا يؤكد على حلب وأخواتها رغم الألم والدمار ستنتصر بثباتها وصبر أهلها ومقاومتها للغزو متعدد الاتجاهات. حلب ستنتصر رغم جراحاتها العديدة، حلب ستضرب القدوة في المقاومة الشريفة ومنها ستنطلق الشرارة التي ستكون سببا في إيقاظ أمة مخدرة. حلب تدفع الضريبة جثثا ودماء وتشريد لكنها تربح كرامة أمة تستحي أن تفيق من ثباتها.
لا شك أن المتربصين بحلب تاريخيا يتربصون بكل المدن العربية والإسلامية ذات القامة التاريخية في دحر الغزاة على تنوعهم. حلب، بغداد، القاهرة، إسطنبول وغيرها كلها أهداف يعتبرها المتربصون أهدافا مشروعة، فهي قلب التاريخ الذي ينغص عليهم تاريخهم. صحيح هناك أسباب اقتصادية واضحة لكن هناك دوافع عقدية وإيديولوجية تفوح رائحتها مع كل محاولة غزو.
بعد قليل خلت تلك التبة من بشار وإخوانه وجلس صلاح الدين ونور الدين وقطز وبيبرس ووجوه من أهل حلب يتذاكرون تلك الأيام الخوالي التي دحروا فيها الغزاة. أشار صلاح الدين إلى أحياء حلب وقال ثبات أهلها هو النصر بعينه، ورفع قطز صوته هاتفا وإسلاماه، أما بيبرس فركب فرسه وانطلق نحو هدف يعرفه جيدا، في حين هتف أهل حلب: سوف نبقى هنا كي يزول الألم.
أضف تعليقك