الآن لم يعد التهديد الأكبر الذي يواجه قناة السويس هو بطء التجارة العالمية، أو أزمات الاقتصاد العالمي وركوده سواء القادمة من الصين أو من منطقة اليورو، أو حتى تلك القادمة من الأسواق الناشئة التي تزداد بها الاضطرابات السياسية والأمنية.
ولم يعد تهديد قناة السويس نابعا هذه المرة من انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014 وهروب سفن النفط والغاز العملاقة من المرور بالقناة لممرات أكثر رخصا مثل رأس الرجاء الصالح، فالاتفاق الأخير الذي يقضي بخفض الإنتاج قد ينشط حركة المرور في القناة بسبب زيادة أسعار النفط.
ولم يعد الخطر على قناة السويس ناتجا
عن التوسعات الأخيرة في قناة بنما والتي تم افتتاحها منتصف 2016 وتسمح بمرور السفن العملاقة المارة بين المحيط الأطلنطي والهادئ وبطول 80 كلم، أو بسبب إقبال ناقلات النفط والغاز الكبرى على المرور عبر رأس الرجاء الصالح باعتباره أرخص الممرات المائية العالمية.
كل تلك التهديدات باتت تتقلص مخاطرها وتأثيراتها على قناة السويس أمام الخطر الأكبر الآتي من الصين، حيث أطلقت بكين قبل يومين قطارها السريع الذي ينقل المنتجات الصينية التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات لأوروبا، ويقطع المسافة بين الصين وأوروبا في 18 يوما وهي لمسافة 12 ألف كلم.
ما كانت تحلم به الصين من إنشاء شبكة للسكك الحديدية يربطها بالدول المجاورة وينقل صادراتها لأوروبا تحول لحقيقة، وما كان يخشاه كثيرون في مصر على قناة السويس تحول لواقع، فإطلاق الصين أول قطار شحن إلى لندن، يعني أن السفن العملاقة المحملة بالبضائع الصينية قد لا تحتاج في المستقبل القريب للمرور بالقناة، لأن هناك بديلا أسرع وربما أرخص هو قطارات الشحن.
القطار الجديد ينطلق من الصين ويمر عبر كازاخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا قبل وصوله إلى محطته النهائية لندن حاملا البضائع الصينية التي تحتاج لها أوروبا.
قناة السويس باتت تواجه تحديات عدة، ومنافسة دولية شرسة من طرق ملاحية، والحكومة المصرية باتت في مأزق بسبب المسارات البديلة والتي كان آخرها وأخطرها قطار الصين، وبالتالي فإما إصرار الحكومة على أسعار المرور الحالية للحفاظ على إيرادات القناة السنوية البالغة 5 مليارات دولار، والنتيجة فقدان مزيد من العملاء لصالح المسارات الأخرى.
وإما إجراء الحكومة مزيدا من التخفيضات على رسوم المرور بقناة السويس للاحتفاظ بعملائها التقليدين خاصة شركات النفط والغاز المتجهة من منطقة الخليج وإيران نحو أوروبا، وكذا السلع الهندية المتجهة للقارة العجوز، والنتيجة حدوث مزيد من التراجع في إيرادات القناة التي كانت الحكومة تراهن على زيادتها إلى 13 مليار دولار سنويا في غضون 5 سنوات.
أضف تعليقك