• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

صحيح أن روسيا لا يمكن أن تعادي إيران، فالروس يعتبرون إيران جناحا مهما في مشروعهم المنشود المعروف بـ«أوراسيا» الذي تسعى روسيا لإقامته كند للغرب. وكما هو واضح من اسم المشروع، فإنه عبارة عن توحيد بعض الدول الأوربية والآسيوية في كتلة واحدة لمواجهة الكتلة الغربية. ولا شك أن الروس يعولون على إيران في هذا المشروع الذي يسعى إليه الرئيس الروسي بوتين منذ مجيئه إلى السلطة عام ألفين. وقد لاحظنا حجم التعاون العسكري والنفطي والغازي بين إيران وروسيا على مدى السنوات الماضية والتنسيق الدائم بين القوتين ضد المشاريع الغربية. لكن هذا لا يعني أبدا أن كل شيء سمن على عسل بين الطرفين. لا أبدا. ربما تكون سوريا مكسر عظم بين الإيرانيين والروس.

لا يخفى على أحد أن سوريا تشكل مربط خيل المشروع الإيراني في المنطقة. وقد استثمر الإيرانيون في سوريا منذ عقود سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا. وقد ازداد استثمارهم وتوغلهم في سوريا منذ مجيء الرئيس السوري بشار الأسد إلى السلطة، فعلى عكس والده حافظ الأسد الذي كان يصفه الإيرانيون بـ«الجبل الكبير» الذي كان يحد من تغلغلهم في سوريا، فقد أطلق بشار للإيرانيين الحبل على الغارب في سوريا بحيث أصبحوا الآن أقوى من النظام ذاته في سوريا، بعد أن فقد النظام قوته العسكرية والأمنية والاقتصادية. وقد وصل الأمر بالإيرانيين إلى اعتبار الرئيس السوري مجرد جندي في أيدي الولي الفقيه الإيراني. وبالتالي فإنهم وضعوا الكثير من بيضهم في السلة السورية التي تشكل بعد العراق ركيزة ما يسمى بالهلال الشيعي الذي حذر منه الملك الأردني عبد الله الثاني عام 2004.
ألا يؤثر التدخل الروسي في سوريا على هذا النحو الرهيب على مشروع الهلال الشيعي في المنطقة؟ سؤال لا بد أن نسأله، فحتى لو كانت روسيا وإيران على قلب رجل واحد في المشروع الأوراسي، إلا أن مصالح الدول لا تلتقي في كل شيء، لا بل تتناقض أحيانا إلى حد القطيعة في بعض الأمور. ولا شك أن سوريا تشكل تحديا كبيرا للعلاقات الروسية الإيرانية.
إن اللهجة التي يتحدث بها المسؤولون الروس عن الوجود الإيراني في سوريا، تشير بشكل واضح إلى تنافر المصالح بين الروس والإيرانيين في سوريا. بعض المسؤولين الروس يقولون في جلساتهم الخاصة: «سيخرج الإيرانيون من سوريا بالصرماية». وعندما نسمع مثل هذه اللهجة القوية، فهذا يدل على أن الصراع قد بدأ فعلا بين الطرفين في سوريا. وبالأمس سألت مسؤولا روسيا: «بما أنكم تعتبرون أنفسكم قوة عظمى وتريدون أن تصنعوا نظاما دوليا جديدا، وتسحبوا البساط من تحت أقدام أمريكا في العالم، فلماذا فشلتم في السيطرة على المليشيات الإيرانية في سوريا حسب اتفاق وقف إطلاق النار؟»، فرد المسؤول الروسي قائلا: «نتحداكم أن تدلونا على مليشيا إيرانية واحدة في أي حي من أحياء حلب. كلها أصبحت خارج حلب بالصرماية.

ومن يسيطر على أحياء حلب الآن قوات الشرطة الشيشانية التي تعتقل حتى الشبيحة السوريين بتوع التعفيش».
ومما يؤكد كلام المسؤول الروسي أعلاه، أن الطلاب الإيرانيين هاجموا بالأمس السفارة الروسية في طهران في أثناء تشييع جنازة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، ووصفوها بأنها وكر للجواسيس. فجأة أصبحت روسيا بالنسبة للإيرانيين شيطانا أكبر جديدا بعد الشيطان الأمريكي. وكما هو معلوم، لا يمكن للمتظاهرين الإيرانيين أن يهاجموا السفارة الروسية في طهران بشكل عفوي، فالمتظاهرون الإيرانيون في كل الحالات مجرد عملاء للحرس الثوري الإيراني الذي يعطيهم التعليمات والأوامر وحتى الشعارات التي يطلقونها في أثناء مظاهراتهم. إن تصاعد حدة الخلاف بين الإيرانيين والروس أصبحت مفضوحة، ولا يمكن أن تغطيها التصريحات الدبلوماسية.
ولا ننسى تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني نفسه قبل أيام عندما قال حرفيا: « إن معركة حلب تشكل خط الدفاع الأول عن الثورة الإسلامية الإيرانية». وهذا الكلام جاء فورا بعد إرسال قوات شيشانية إلى المدينة وطرد المليشيات الإيرانية منها. لقد كان التصريح الإيراني رسالة للروس وليس لأي جهة أخرى. وكيف ننسى أيضا الأوامر التي أعطتها إيران لمليشيا حزب الله اللبنانية؛ كي تمنع قبل أيام وفدا روسيا من دخول منطقة وادي بردى؟ أليس المنع ردة فعل إيرانية واضحة على الموقف الروسي؟
لا شك أن غالبية السوريين والعرب وحتى النظام السوري نفسه يفضلون النفوذ الروسي على النفوذ الإيراني في سوريا. ولا شك أن جهات كثيرة ستدعم الروس في مواجهة الإيرانيين في سوريا. ولا شك أيضا أن الإيرانيين سيواجهون من الآن فصاعدا تحديات كبرى في سوريا على عكس العراق، خاصة أن غالبية الشعب السوري السني على عداء مستحكم مع الإيرانيين مذهبيا. وحتى العلويون في سوريا المحسوبون على الشيعة يعارضون النفوذ الإيراني، ويفضلون النفوذ الروسي العلماني، خاصة أن العلويين في سوريا طائفة علمانية متحررة ومنفتحة وترفض رفضا قاطعا التشدد الديني، الذي تحاول إيران أن تفرضه على العلويين في سوريا. فهل أصبح الاستثمار الإيراني في سوريا في مهب الريح؟ هل تتصاعد حدة الصراع بين الإيرانيين والروس في سوريا في قادم الأيام، أم سيكون هناك تقاسم نفوذ؟ هل تكون سوريا مقتل الهلال الشيعي بعد أن أصبحت سوريا تحت الوصاية الروسية، وبعد أن هدد الرئيس الأمريكي الجديد بوضع حد لإيران؟ هل يستطيع الروس تخليص سوريا من براثن المشروع الفارسي؟ أم إن النفوذ الإيراني قوي جدا على الأرض في سوريا، بينما النفوذ الروسي نفوذ جوي وسياسي فقط؟ ألم يتغلب الإيرانيون على الأمريكيين في العراق بفضل قوتهم العسكرية والدينية على الأرض، فما بالك بالروس الضعفاء جدا على الأرض في سوريا؟ 

أضف تعليقك