أذل حكم المحكمة الإدارية العليا، بمصرية جزيرتي «تيران وصنافير»، قوماً وأعز آخرين، فكانت «سهرة الليلة» ولا كل ليلة، أمام فضائيات الثورة المضادة حيث التسلية والبهجة، ونحن نرى إعلاميي الثورة المضادة، في وضع يثير شفقة الكافر، فالحكم يمثل إدانة لعبد الفتاح السيسي، بمقتضى المادة (77) من قانون العقوبات ونصها: «يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها»!
كانت بداية المتعة والسمر مع أحمد موسى، على قناة «صدى البلد»، لكن وائل الإبراشي على قناة «دريم» بدا كما لو كان يصلي صلاة مودع، فاحتفى في هذه الليلة بالحكم القضائي كما لو لم يكن سيساوياً!
وائل ليس أحمد موسي، فالفارق في القدرات واضح للعيان، فالأخير ربط مصيره وجوداً وعدماً بالانقلاب العسكري، أما وائل، فلديه مساحة للمناورة، فيستضيف مثلاً ثلة من الجنرالات لينفوا وجود تغييب قسري، ويستضيف المحامي أحمد قناوي، ويعطيه المجال، ليرد عليهم وينتقل من الدفاع إلى الهجوم!
وائل، مثله كمثل إبراهيم عيسي، الذي عندما وجد أن أيامه في التقديم التلفزيوني معدودة، لأنه من ناحية محسوب على ثورة يناير، ولا يغفر النظام للانقلابي لمن شاركوا فيها ولو بشطر كلمة وإن بايعوه على المنشط والمكره، قرر أن يلعب دور المعارض. وإن كانت مشكلة عيسى أنه في «الحساب الختامي» محسوب على «نجيب ساويرس»، الذي أنهى الانقلاب نفوذه، فتم طرده من حزبه، وتم كذلك حمله على بيع قناة «أوني تي في» لرجل الأعمال «أبو هشمية»، المعرف بـ «هيفاء»، على وزن المعرف بـ «ال»، فقبل زواجه منها لم يكن شيئاً مذكوراً، ولم يتم الطلاق إلا وصار نجماً في عالم المال والإعلام، وقديماً قالت العرب: «الزواج عتبة، وهناك عتبة بالمرور عليها ترفع المرء للسماء وعتبة تخسف به الأرض، فتخيروا عتباتكم»، أو كما قالت العرب أيضاً: «كل من لديه عتبة يتخلص منها ويبدأ المشوار من أوله»، وربما كان الحظ في الاسم «هيفاء»، لاحظ أنه لم تظهر أثار النعمة على زوج «نانسي عجرم»!
الذراع الإعلامي لساويرس
وقد تم تجريد ساويرس من قوته، فقد توقعت مبكراً أن ينتهي دور إبراهيم عيسى الذراع الإعلامي لنجيب ساويرس، ويمتلك عيسى قروناً للاستشعار فانتقل ليكون معارضاً للنظام على طريقته، حتى إذا تمت الإطاحة به لا يكون قد مات فطيساً، لكنه يخرج معارضاً، وقد تحدث الجميع عن أنه خرج بقرار سياسي إلا هو، حيث كتب بياناً باهتاً بمناسبة استقالته يوضح فيه أسباب الاستقالة من قناة «القاهرة والناس»، لكنه لم يقل شيئاً، وحاول في مقابلة مع قناة «بي بي سي» أن يمسك العصا من المنتصف فأوحى بأن أطيح به، لكنه قال إنه قدم استقالته. فالسيسي ليس محمد مرسي، ولو غضب قائد الانقلاب على عيسى فقد يجد نفسه متهماً في قضية قطع طريق قليوب، أو فض رابعة!
ربما يتوقع وائل الإبراشي الإطاحة به، ويتم إغلاق قناة «دريم» من بابها، إن لم تئل ملكيتها إلى العسكر، بشكل غير مباشر كما «أون تي في»، أو بشكل مباشر كما «العاصمة» التي تولى إدارتها المتحدث الإعلامي السابق باسم القوات المسلحة الجنرال أحمد سمير، دون أن تكون له خبرة في إدارة ولو الإذاعة المدرسية في المدرسة التي تلقى تعليمه الثانوي فيها!
وقد صار لعب العسكر على المكشوف، فها هي قناة «دي إم سي»، تطلق قناتها العامة في انتظار حزمة من القنوات الأخرى، وهي وبعيداً عن ملكية الأوراق غير المعلنة، فإن اسم الشهرة لها هي قناة «المخابرات»، ومن يعملون فيها يعرفونها بذلك!
العسكر يعرفون قيمة الإعلام ولهذا فإنهم لا يقبلون بنصف ملكية، أو بمجرد ولاء الإعلام، فيهمهم أن يستولوا عليه استيلاء كاملاً، وذلك على العكس من خصومهم الإسلاميين، الذين لم يؤمنوا يوماً بقيمة الإعلام، وعندما آلت إليهم الصحافة القومية، وأصبح مبنى ماسبيرو في قبضتهم، كانوا فيه من الزاهدين، بل إنهم جعلوا رئاسة مجلس الشورى ممثل المالك لهذه الصحافة لواحد لم يضبط يوماً متلبساً بقراءة مقال، أو صحيفة، ولو بالإطلاع على صفحات الوفيات في «الأهرام»، وقديماً كان يقال إن من لم ينشر نعيه في «الأهرام» فكأنه لم يمت!
طواف لميس
وائل الإبراشي على درجة من الذكاء الاجتماعي يحول دون تورطه في المشاركة في «الزفة» والإعلان عن سعودية «تيران وصنافير»، أما عمرو أديب وبائسة الذكر لميس الحديدي فهما في منزلة بين المنزلتين، فالأخيرة تطوف حول الموضوع طواف الإفاضة دون أن تتورط فيه، أما عمرو ولارتباطات سعودية، فهو لا يقول إن الجزيرتين سعوديتان، لكنه يستضيف من يقول هذا، في حين أن أحمد موسي، ليس له حق الاجتهاد، لأنه لا يملك مقومات المجتهد، لذا فإنه يتبنى الخطاب الأمني كما أرسل، وبما فيه من تناقضات مذهلة وفي كثير من الأحيان مضحكة!
لقد كان في ليلة حكم المحكمة الإدارية كمن أصابته لوثة عقلية، وكانت مجرد نظرة إلى وجهه، وعينيه في حركة سريعة، تكفي للوقوف على أنه في حالة خطرة، وقد اكتشفت ليلتها من خلال التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أن كثيرين يشاهدونه، وفي حالة استمتاع قصوى وهم يرونه في حالة ارتباك، فهو يريد أن يهاجم الحكم القضائي، لكنه يخشى من عواقب هذا، وفي الوقت ذاته هو لا يريد أن يسلم بما جاء فيه، وقد استدعى ضيوفاً ليقولوا بعدم اختصاص قضاء مجلس الدولة بنظر القضية، لأنها مرة من سلطة المحكمة الدستورية العليا، ومرة من سلطة البرلمان!
كان مذيع قناة «صدى البلد»، يقوم ببث الفزع في قلوب المصريين، فماذا لو لجأت السعودية للتحكيم الدولي؟ فما قيمة هذا الحكم؟ وكأن التحكيم الدولي يمكن أن يحكم على المصريين بالسجن المؤبد إن لم يسلموا الجزيرتين للسعودية، وأن حكم مجلس الدولة سيحول دون ذلك، فيصبح الحكم هو السبب فيما سيقع على المصريين من عقاب، لذا ينبغي مخالفته!
لا يوجد ما يخيف من التحكيم الدولي، إلا أن الشعب المصري لن يجد من يمثله أمام المحكمة الدولية، فالسيسي ونظامه سيكونوا ممثلين فيه للجانب السعودي.
ولم يتوقف الأمر عند التلويح بسيف التحكيم الدولي، وإنما تم التهديد بقيام المملكة العربية السعودية، ودول الخليج جميعها بطرد العمالة المصرية بسبب هذا الحكم!
كان مذيع الانقلاب، في الواقع، يحرض المملكة العربية السعودية على اتخاذ الخطوتين، في ليلة ليلاء بدا أن التوجيه المعنوي كان مرتبكاً فلم يقم بعملية التوجيه إلا من حيث الدعوة للتوقف عن التخوين والرمي بعدم الوطنية، ثم ترك الأذرع الإعلامية للاجتهاد، فكان التخبط الذي ظهر عليه أحمد موسى، لأنه لا يمتلك مقومات المجتهد!
الخائن من فرَّط
الذي جمع بين القوم ومن أحمد موسى إلى لميس الحديدي، هي الدعوة للتوقف عن التخوين، والمضحك، أن هذه الدعوة صدرت من أناس اتهموا كل من وقف ضد الانقلاب العسكري بالخيانة الوطنية وبالعمالة لقطر وتركيا، الآن هم من يطلبون بوقف الاتهام بالخيانة، لأن الخائن هنا هو من فرض في التراب الوطني!
بعض مؤيدي الانقلاب، أضحكوا الثكالى وهم يطالبون السيسي بعد هذا الحكم بإقالة الحكومة، باعتبارها المتورطة في هذا الوضع، وكان الرد الذي ألجمهم هو أن السيسي نفسه هو المتورط الأول، وكان هناك فيديو جرى إعادة نشره وتوزيعه وهو يتحدث عن أنه سأل المخابرات، ووزارتي الدفاع والخارجية، إن كان في أرشيفهم السري ما يفيد ملكية مصر للجزيرتين؟ فكان الرد بالنفي! ولا نعرف لماذا لم يسألهم سؤالاً معاكساً حول إن كان في أرشيفهم السري ما يفيد أن الجزيرتين سعوديتان؟!
السيسي هو من اتخذ القرار، وورط معه جميع الأجهزة، بهذا الإعلان، ثم بقيامه مع وزراء الداخلية والخارجية والدفاع بالإضافة لرئيس برلمانه بالطعن في حكم أول درجة الذي قضى بمصرية «تيران وصنافير»، وعندما تم إفحام جماعة السيسي بأنه هو المتهم وليس الحكومة، عادوا لنغمة فلنتوقف عن التخوين..»الآن وقد عصيت قبل»!
لقد تم حشد دولة السيسي للتأكيد على أن الجزيرتين سعوديتان، وشاهدنا الجنرال حمدي بخيت، على قناة «العاصمة» وهو يؤكد هذا الكلام، ويضيف إليه أن سيناء أيضاً خارج الحدود المصرية، فأمكننا الوقوف على مخطط الانقلاب العسكري والمهمة التي كلف نفسه بها!
كنت أعتقد أنه حمدي بخيب واحداً من عوام الجنرالات، فقلت لمن عنده علم من الكتاب: لماذا لم يمنعه القوم من الظهور التلفزيوني وقد أصبح مدعاة للسخرية من العسكر.
فكان الجواب: إن بخيت هو الأستاذ المعلم للسيسي، وأنه يحاضر فيجلس قائد الانقلاب أمامه مجلس التلميذ من الأستاذ، «أنعم وأكرم» وربما يشرع السيسي في تأليف كتاب بعنوان بعنوان: «في صالون حمدي بخيت كانت لنا أيام» على وزن كتاب أنيس منصور «في صالون العقاد»!
لا بأس فكل ما يشغل القوم هو التوقف عن التخوين، مع أن التخوين في حالتهم وصفاً وليس مجرد اتهام، وقد أخل السيسي بالقسم، ولا سيما الفقرة الأخيرة ونصها: «وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه».
كل اتهام وجهوه لغيرهم ظلماً، كان حليفهم قسمة ونصيبا!
أضف تعليقك