في الواقع أن شبه الدولة ما زالت تتفنن في إخراج مشاهد لا يمكن بأي حال من الأحوال تصديقها أو التعامل معها إلا بالاعتبار الذي يؤكد ممارستها لحالة من "الاستهبال السياسي" ـ إن صح هذا الوصف أو التعبيرـ ذلك أن كثيرا مما يعلن عنه في حقيقة الأمر كأخبار تخرج من أرض مصر إنما تعبر عن حالة من حالات "السخف السياسي" الذي يطلق على مسامع الناس بين لحظة وأخرى، بحيث أن أول انطباع يمكن أن يخرج من عموم الناس، من أنه شيء خارج إطار المعقول، وخارج دائرة المقبول.
يذكرنا ذلك باختفاء "الونش"، وكأنه آلة صغيرة يمكن اختفاؤها أو إخفاؤها من دون ملاحظة من القاصي والداني، من هذا القبيل نرى أخبارا تأتي من هنا وهناك، لم لا؟ وقد تحدث الناس من قبل عن "جهاز الكفتة"، وعن أخبار شبيهة بذلك، يعبر كل ذلك عما وصلنا إليه من حال، وما يمارسه البعض من استهبال، لكن أخطر ما في الأمر أن يتعلق كل ذلك بمجال السياسة وبأمور تمس معاش الناس، وتنال من ضروراتهم ومن كل ما يتعلق بحياتهم، وربما يتعلق بأمر أوطانهم وأرضهم، والأخطر أن يمس ذلك كيانهم وحرياتهم وأبسط حقوقهم.
دعونا نتصفح الأخبار التي توالت علينا مؤخرا وفي تتابع عجيب وكأنه لم يعد غيرها هو ما يجب أن نقرأه أو نراه، خرجت علينا بعض الصحف لتتحدث عن اختفاء 32.5 مليار جنيه من موازنة الدولة، نعم الرقم صحيح وليس خطأ إملائيا (اثنان وثلاثون مليار ونصف المليار جنيه)، والعجيب أيضا أن يأتي هذا الخبر بكل بجاحة وبصيغة "اختفاء" ضمن عملية "استخفاف" كبرى.
وكأن هذه الأموال تختفي وتظهر بتلك الصورة وهي تعد بالمليارات، وكأنها قد سقطت من جيب أحدهم، ما هذا الاستخفاف بأموال هذا الشعب والتعاطي معها، والاستهانة بعقول الناس حينما تنشر مثل هذه الأخبار على مسامعهم وبهذه الصياغة المستفزة؟، ماذا يعني ذلك من منظومة شبه الدولة، أصبح ذلك ديدنها؟، وأًصبح هؤلاء الناس يمارسون كل ما من شأنه أن يعرضوا باستخفاف هذه العجائب والغرائب ـ في باب الأخبار الصباحية ـ التي لا يمكن أن تحدث في بلد محترم أو في مؤسسات معتبرة، فقط هذا يعلن عنه في بلادنا، في "مصر المحبوسة".
وإلى مشهد آخر وبعد صدور حكم تاريخي من المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين حينما فرط هؤلاء وتنازلوا عنهما بكل بساطة واستخفاف فجاء هذا الحكم لطمة لهم، فإن بعضا من مهرجي النظام خرجوا علينا بما يعتبره المخرج من المعضلة، أتصدقون!!..، أنه يتحدث عن اقتسام الجزيرتين، مصر تأخذ جزيرة والسعودية تأخذ الأخرى، هكذا يمكن أن يصل الأمر بتفكير البعض إلى حالة من "الاستهبال السياسي" ويطرحون هذا الشأن بهذه الفجاجة وبذلك "السخف" من ممارسة الاستخفاف بعقول الناس وبما يتعلق بأرض الوطن وحق الشعب في أراضيه، هكذا يمكن التصرف في الأرض والعرض، نقتسم الجزر "ويا دار ما دخلك شر".
ومن السخف أن يكون هذا العرض على عكس معطيات الجغرافيا فيعطي "تيران" للسعودية وتحتفظ مصر بـ"صنافير" من دون حتى اعتبار لهذا المعطى الجغرافي (تيران أقرب لمصر من صنافير) إلا أن يكون ذلك ممارسة وإمعانا في مزيد من الاستخفاف وممارسة الاستهبال، خطاب عجيب، وكلام غريب، واستخفاف مريب، يؤكد ما وصلنا إليه من حال الاستهبال السياسي من منظومة أصبحت لا تجيد إلا أفعال "الفكاكة" ومناهج "الكفتة" وسياسات "الاستهبال"، والأنكى من ذلك أن يدشن حزب مصري يسمى "حماة وطن" حملة لإثبات سعودية الجزيرتين. ألا يوجد لهذا السخف من سقف؟!، كيف بحزب ـ ناهيك عن أنه مصري ـ أن يكون ذلك اسمه "حماة وطن" ويدشن الحملات التي تقتطع جزءا من الوطن الذي يدلس بأنه من حماته، وهو حزب له (17) نائبا "قرطاسا" في مجلس نوابهم.
يأتي بعد ذلك مشهد غريب عجيب يستقبل الناس في صباح ذات يوم ليروا قائمة تحمل من الأسماء ما يزيد على (1500) شخص وقد وضعوا على قوائم الإرهاب لا يعرف الناس كيف صدرت الأحكام، فقط يتحدثون عن محكمة الجنايات التي اعتمدت القائمة وأصدرت الأحكام ووضعت كل هؤلاء على قوائم الإرهاب، وفي ما يبدو أنه ضمن الاستهبال السياسي أن هذه القائمة ربما تكون الأولى ولكن لن تكون الأخيرة، جمعوا فيها من كل صوب وحدب، وضمنوها النساء، واشتملت على المتوفين، وعلى عائلات بكامل أفرادها، وبدا الأمر وكأنه حالة هزلية حينما يضعون أحد الرموز الرياضية ضمن هذه القائمة، رغم أنه يكرم من كل الجهات الرياضية العالمية، ولكن الأمر مع اعتماد سياسات الاستهبال السياسي يكون أمرا طبيعيا في شبه الدولة يمكن أن يحدث ذلك وأكثر من ذلك.
وتأتي هذه الأخبار التي تزف إلينا ضمن قائمة الاستهبال السياسي في فيلم مشترك هابط ما بين شبه الدولة وما بين صندوق النقد الدولي، ذلك أن مسؤولا في الصندوق يتحدث عن أن تقديراتهم لم تكن صوابا حينما أشاروا بتعويم الجنيه، وأنهم لم يتصورا أن تدهور الجنيه سيصل به إلى هذه الحال، وأن غول الأسعار سينطلق ليفترس الناس، ومن المشكل حقا أن نصدق كل هذا رغم أن سياسات الاستهبال هي القائمة والتي تدشن من منظومة لم تعد تعرف طريقا يمكن أن تتعامل به مع هموم الناس إلا تلك الممارسات التي تنتمي إلى مساحات "الاستهبال السياسي"، ليقدم هؤلاء اعتذارا بحق شعب مغبون تزايدت عليه الأسعار وتدهور حال بعضهم إلى ما دون خط الفقر وتزايدت حالات الإفقار فيه بصورة مفجعة مروعة، وبدا الأمر كفكاهة ونكتة ساخرة يكررها النظام بمعاونة الصندوق "مكنش قصدي".
إن الأمر في حقيقته لم يعد متوقفا عند "الونش" الذي اختفى، فالمليارات أيضا تختفي، وقرارات تصدر تحت عناوين لم نكن لنتصور صدورها ومشاهد لا نتوقع وقوعها، والقوائم التي تجمع القاصي والداني وتكيل الاتهامات الظالمة وكأن هذه القوائم تصدر بالأهواء، تبدد أحوال أناس وتوقع عليهم من العقوبات ما لا يجوز إيقاعه وتنتهك الحقوق والحريات مما لا يجب انتهاكه، ويفرط في أرض بالتنازل وتسويغه وتسويقه بأشكال مختلفة كالقسمة على اثنين حتى بدون منطق جغرافي في عبث مفرط وأحوال من ممارسة "الاستهبال السياسي".. مصطلح جديد يحسن إدخاله في معاجم وقواميس شبه الدولة لتجتمع فيه جرائم الانقلاب وفشله، ليقدم السيسي فصلا من "استهبال شبه الدولة".
أضف تعليقك