تمر اليوم الذكرى الثامنة والستين لاستشهاد الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين العالمية؛ ذلك الشاب الفذ الذي استطاع - وهو ابن الثانية والعشرين - أن يؤسس أكبر جماعة تطاول بنيانها 90 عامًا في الزمان، وانتشر في المكان، في أكثر من80 دولة، وأصبحت محورًا لتاريخ الإسلام والمسلمين، بل وتاريخ البشرية كلها، سواء بما نشرته من قيم الحق والقوة والحرية أو ما قدمته من نماذج الثبات والتضحية والبطولة، أو ما حاكه الأعداء والكارهون لها من خدع ومؤامرات، أو ما أنزله الطغاة بها من بطش وتنكيل. لقد بقي ذلك البناء الشامخ - الذي استغرق عشرين عامًا من حياة البنا – أكثر من 70 عامًا يواجه الأعاصير بثبات وشموخ وما زال وسيظل بإذن الله إلى أن يتحقق هدفه المنشود.
لقد كان الإمام الشهيد واضحًا كل الوضوح من اللحظة الأولى: "نحن نعرف ما نريد، ونعرف الطريق لتحقيق هذه الإرادة، نحن نريد الفرد المسلم, والبيت المسلم, والشعب المسلم, والحكومة المسلمة، والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين, وتستعيد مجدهم, وترد عليهم أرضهم المفقودة, وأوطانهم المسلوبة, وبلادهم المغصوبة, ثم تحمل علم الجهاد ولواء الدعوة إلى الله حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام". من هنا تجمعت قوى الشر من كل صوب وحدب لتحارب هذه الجماعة التي تسعى لتحرير البشرية من كل سلطان غير سلطان الله، وتسعى لإنهاء استغلال واستعباد الإنسان للإنسان وتكافح لبناء أمة إسلامية قوية موحدة تنشر العدل والحرية والمساواة، كما نشرها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قبل في العالمين.
وقد كان الإمام مدركًا لطول الطريق وصعوبته وما به من فتن ومحن؛ فهاهو منذ 70 عامًا يقول: "أيها الإخوان.. سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذو الجاه والسلطان، وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرع الغاصبون بكم لمناهضتكم، وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة، والأيادي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بدعوتكم كل نقيصة، وأن يظهروها للناس بأبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم ومعتدّين بأموالهم ونفوذهم وإعلامهم، وستدخلون بذلك لا شك في التجربة والامتحان؛ فتُسجنُون، وتُقتَلُون، وتُعتقلُون، وتُشردون، وتصادر مصالحكم، وتُعطل أعمالكم، وتفتش بيوتكم!!! وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان.. فهل أنتم مستعدون أن تكونوا من أنصار الله؟!!".
ولا يزال صوت البنا في أذن الزمان ينادي.. وأفعال الإخوان تترجم قوله: "نحن على استعداد تام لتحمُّل نتائج عملنا أيًّا كانت، لا نلقي التبعة على غيرنا، ولا نتمسَّح بسوانا، ونحن نعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن الفناء في الحق هو عين البقاء، وأنه لا دعوة بغير جهاد، ولا جهاد بغير اضطهاد، وعندئذٍ تدنو ساعة النصر ويحين وقت الفوز، ويحق قول الملك الحق المبين: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجِّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين)".
لقد أدرك البنا جوهر الحقيقة في بناء الأمم، فعمل عليها وانشغل بها.. "إن الرجل سر حياة الأمم، ومصدر نهضاتها، وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات، وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال؛ الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، وإني أعتقد - والتاريخ يؤيدني - أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء".
رحمك الله يا إمام.. لقد كنت واحدًا من أعظم هؤلاء الرجال، ورويت بدمائك الطاهرة شجرة الرجال التي ما زالت تثمر في بلادنا أبطالاً يقفون في وجه الظلم بلا تردد ولا انحناء، وقريبًا بإذن الله يأتي النصر المبين.. (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا). حسن صالح - المتحدث الإعلامي للإخوان المسلمين القاهرة في 15 جمادى الأولى 1438هـ = الموافق 12 فبراير 2017م
أضف تعليقك