لغز سيناء يزداد غموضا واستعصاء. ذلك أننا انتقلنا من مشهد مهاجمة كمائن الجيش والشرطة إلى مهاجمة الأقباط. وبين الاثنين تابعنا مسلسل تصفية من وصفوا بعملاء الأجهزة الأمنية من الأهالى. لم نفهم شيئا من تلك الحلقات المتتابعة، لأنه أريد لنا أن نظل فى موقف المتلقى الذى ظل دوره مقصورا على استقبال الأخبار والتقارير، والإشادة بكفاءة أداء السلطة التى باتت المصدر الوحيد لمعلوماتنا عما يجرى هناك.
منذ ثلاث سنوات أو أكثر والصراع دائر فى ذلك الشريط الضيق فى الشمال الذى لا يتجاوز ٢٪ فقط من مساحة سيناء، حسب تعبير الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبين الحين والآخر ظللنا نقرأ فى عناوين الصحف أن تطهير سيناء من البؤر الإرهابية صار وشيكا، فى حين اعتدنا على قراءة الأخبار التى تتحدث عن مقتل أعداد متفاوتة من الإرهابيين. وقبل ثلاثة أسابيع قيل لنا إن الضربات الجوية القوية نجحت فى قتل ٥٠٠ إرهابى، إلا أن ذلك لم يوقف العمليات الإرهابية التى أدت إلى تهجير الأقباط من سيناء فى الأسبوع الأخير. لكن ما حيرنا وأدهشنا أن الوعود التى أطلقت لم يتم الوفاء بها وأن القصف المتواصل لمعاقل الإرهابيين لم يؤدِ إلى وقف عملياتهم. بل بدا أنهم يتحركون بحرية فى المنطقة لدرجة أن يعلنوا بيانات مسجلة تليفزيونيا قبل ثلاثة أسابيع عن استهداف الأقباط، ثم يتاح لهم أن ينفذوا ما وعدوا به. فى حين تصورنا أن ذلك الإعلان سيكون حافزا للأجهزة الأمنية لكى تفتح أعينها جيدا وتوفر للأقباط الحماية اللازمة، لكن ذلك لم يحدث لأسباب غير مفهومة.
إزاء ذلك، وفى غيبة المعلومات التى تمكننا من فهم ما يجرى، فإننا لا نستطيع أن نحجب أسئلة باتت تلح علينا طوال الوقت، أحدها يتعلق بموازين القوة فى سيناء، التى لم تسمح بحسم الصراع حتى الآن، ذلك أننا ينبغى أن نعترف بأن استمرار الإرهابيين والعمليات التى يقومون بها هناك دليل على أحد أمرين، إما أنهم يتمتعون بعناصر من القوة لا يستهان بها، أو أن مواجهتهم تتخللها عوامل ضعف ينبغى أن تعالج. وإذا كانت البلاغات الرسمية تحدثنا عن مقتل أعداد منهم كل حين، (رغم أننا لا نعرف ما إذا كان المقتولون كلهم إرهابيين أم أن بعضهم يستحقون عقابا غير القتل) إلا أننا ينبغى أن ننتبه إلى أن الإنجاز الحقيقى لا يتحقق بزيادة أعداد القتلى. لكنه يكون بالقضاء على الإرهاب واستئصال شأفته. وغاية ما يمكن أن يقال عن حملات القتل إنها مجرد وسائل قد تكون فعالة، فى حين أن تحقيق الهدف يظل هو الأهم. وفى هذه الحالة فإن المواجهة العسكرية تشبه المباريات الرياضية فى أن الفوز فيها لا يتحقق بمجرد شرف المحاولة لأن ذلك لا يحسب إذا اقترن بتسديد الأهداف.
من الاسئلة الأخرى المثارة فى هذا الصدد ما يلى: هل الأقباط مستهدفون حقا، وإذا كان ذلك صحيحا فلماذا سكتوا عليهم طوال السنوات الثلاث التى خلت؟ وهل هناك علاقة بين قتل الأقباط السبعة وبين تصفية العشرة أشخاص من أبناء العريش الذين اتهموا بالإرهاب الذى أغضب بعض أهالى العريش ودفعهم إلى إعلان العصيان المدنى. أعنى هل كان قتل الأقباط انتقاما من الحكومة لقتل العشرة وقبلهم إعدام عادل حبارة الذى ذكر اسمه فى بيانات الإرهابيين الأخيرة؟ وهل أقدم الإرهابيون على قتل الأقباط لأنهم لم ينجحوا فى الانتقام من القوات المسلحة والشرطة ووجدوا فى الأقباط نقطة ضعف يمكن استهدافها لإزعاج السلطة؟ وهل هناك علاقة بين تهجير الأقباط وبين حملات التهجير الأخرى التى تعرض لها آخرون من أهالى سيناء؟
يخطر لى أن اقترح تشكيل لجنة لتقصى حقائق ما يجرى فى سيناء، لكنى أحجمت عن ذلك لسببين أولهما أن البرلمان الحالى أعجز من أن ينهض بالمهمة. والثانى هو غياب المعلومات الكاملة عما يحدث هناك.
أضف تعليقك