لم تتوقف التظاهرات في الولايات المتحدة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ انتخابه وحتى الآن، في ظاهرة هي الأولى من نوعها في تاريخ انتخاب الرؤساء الأميركيين، كما أنه أكثر الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة الذي انهارت شعبيته بعد فترة وجيزة من انتخابه، ويقول الخبراء والمتابعون إن الولايات المتحدة لم تشهد انقساما مجتمعيا في تاريخها كالذي تعيشه الآن، والانقسام المجتمعي هو أسوأ ما تعاني منه الأمم لأنه يكون بداية للانقسام الجغرافي والتفتت لاسيما في الامبراطوريات الكبرى.
وما تعيشه الولايات المتحدة من انقسام اجتماعي ليس سوى نتاج لسياسة الولايات المتحدة تجاه دول العالم التي مزقتها بداية مجتمعيا ثم دمرتها جغرافيا وحربيا وقضت على الوحدة التي اجتمع الناس عليها لمئات السنين، فمنذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن لم تدخل الولايات المتحدة بلدا من البلاد دون أن تقسمه، ليس تقسيما مجتمعيا فحسب، وإنما حتى تقسيما جغرافيا وتمزيقا سياسيا وحربيا، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى كانت حرب الكوريتين عام 1951 التي انتهت بتقسيم الشعب الكوري إلى شعبين شمالي وجنوبي يعيش حالة من العداء والحرب والتقسيم والتمزق العائلي والأسري والسياسي وكل أشكال الانقسام، وبعده فعلت الولايات المتحدة ما فعلت طوال عقدين من الزمان في فيتنام، دمرت الشعب والبلاد وارتكبت من جرائم الحرب ما لا يمكن أن يمحى من سجلات التاريخ، أما الجرائم التي ارتكبتها في أميركا الجنوبية والتي وصلت إلى حد اغتيال الرؤساء الذين لا يوافقون سياستها أو نشر المخدرات واستخدام أموالها في العمليات القذرة التي تقوم بها الـ سي آي إيه ضد شعوب العالم فحدث ولا حرج، ومن أكبر الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة في بلادنا هو ما قامت به في الصومال بعدما أطاحت بعميلها سياد بري وتدخلت بقواتها هناك في بداية التسعينيات من القرن الماضي ثم مزقت الشعب الصومالي والدولة من بعده التي تحولت إلى مجموعة من الدويلات المتنازعة ومقر للقراصنة والتطرف والمجاعات، وحكومة شكلية لا تملك حتى حماية المقر الذي تتواجد فيه.
وفي أفغانستان دخل الأميركان فمزقوا البلاد بعد تدميرها وأشعلوا فيها حربا أهلية لم تتوقف حتى الآن ويبدو أنها لن تتوقف حتى تنكفئ أميركا على نفسها وتغادر هذه البلاد إلى غير رجعة.
وما فعله الأميركان في العراق من تدمير مؤسسات الدولة وحل الجيش وتمزيق للشعب وإحياء للطائفية وإعلاء الشيعة على السنة وترك السنة فريسة للتطهير العرقي الطائفي، ثم صناعة داعش أو على الأقل المساعدة على نشأتها وتمددها حتى تبقى الملهاة التي تشغل الناس عن متابعة جرائم التطهير ضد السنة، هي من كبرى الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد دول المنطقة، وإذا كان منطق التاريخ وسنن الكون تقوم على أن من نشر مرضا ابتلي به، فقد ابتليت الولايات المتحدة بالتمزق المجتمعي الذي يمكن أن يقودها إلى مصير كل الامبراطوريات السابقة، فالتمزق المجتمعي بداية الشيخوخة والانهيار، وهذا ما يقود له ترامب الولايات المتحدة الآن.
أضف تعليقك