بدأ يومه مبكرا كعادته ليركب أتوبيس النقل العام ويتنقل من أتوبيس لآخر يركب من أول الخط وينزل فى آخره يتلقط الأخبار ويتسمع أحاديث الناس واهتماماتهم .
ما يفرحهم وما يشقيهم .
رأيهم فى حكومتهم .
نظرتهم للعدو .
الأسعار وتأثيرها عليهم .
مدى الرضا أو الاحتقان .
شعبية التيارات السياسية .
موقع الدين من حياتهم .
كان ذلك جزء من عمله كجاسوس يستمع بنفسه ويحلل الواقع لينقله مع ما ينقل بالحبر السرى والشفرة إلى المسئول عنه فى مخابرات الأعداء .
كأنه ترمومتر يقيس كل ذلك ليتم نقله مع ما ينقله إلى معامل دولة الأعداء ليتم التشخيص ووضع العلاج لتظل أمراض البلد كما هى .
ثم انتقل إلى جزء آخر من مهامه كجاسوس وهو الالتقاء بشبكته فى الجيش بعضهم من كبار الضباط والأكثر من صغار الضباط وضباط الصف شبكة لا تعرف بعضها .
يعرفها هو وحده .
يلتقي بهم واحدا واحدا حسب الموعد المحدد لينقلوا له أنواع السلاح الجديد .
التدريبات . التحركات . أماكن الوحدات .
خطط التمويه .
وما يحدث داخل الوحدات بالتفصيل .
والرأي العام داخل الجيش .
أحاديث الضباط واهتماماتهم .
أولويات العساكر .
نظرتهم للعدو .
تم تجنيد كل واحد منهم بقصة نجاح شخصية له .
سنوات طويلة وهم يحرزون النجاحات الكبيرة بقيادته . لكنه فى أحد لقاءاته الأخيرة بأحد الضباط فى الشبكة سمع منه شيئا خطيرا .
لقد أخطأ العميل يوما وصور بعض الأشياء دون أن يأخذ الحذر الكافي فرآه أمن المعسكر .
لكن للغرابة . لم يحدث أى رد فعل سوى ابتسامة خبيثة وضحكة صفراء .
أمر العميل بعدم تكرار ذلك وباتخاذ جانب الحذر وعدم مقابلته حتى يستدعيه لحين التأكد من رد الفعل .
صبر شهورا والأمر كما هو .
لم يحدث للضابط أي شيء . بل إن الضابط أخبره أنه لاحظ اهتماما زائدا من رؤسائه وتكليفه بمهام أكبر .
فكر كثيرا في دلالة ما حدث للضابط لكن شغله أمر آخر بعد فترة .
أنه لاحظ أن الاهتمام بدأ يقل به و بشبكته من جانب من يعمل لحسابهم . مع أنه ينقل أخطر المعلومات وأدق التفاصيل .
لاحظ بعدها أن من يعمل لحسابهم بدأوا يتخلون عن حذرهم شيئا فشيئا عند التعامل معه ويكادون يتحدثون معه دون احتياطات ويرسلون له الرسائل على وسائل تواصل أقل تأمينا .
دب الرعب بقلبه ظنهم يضحون به وبمجموعته لكنه يعلم . مهما حدث فليست هذه طبيعة أعمال الجاسوسية ولا طريقة تصفيتهم ولا إيقافهم عن العمل . درس كثيرا وقرأ كثيرا فلم يرى مثل ذلك .
لم تطل حيرته كثيرا .
تم استدعاؤه إلى مقر مخابرات العدو ولكن أيضا دون تأمين كافى ودون المرور على عدة دول أولا كما كان يحدث .
وصل أخيرا إلى المقر ليجد المسئول عنه فى انتظاره . ودون مقدمات طويلة . قدم له مبلغا كبيرا من المال . وعقود تمليك لأراضى وأطيان داخل دولته نفسها .
نشكرك على تعاونك طوال تلك السنين .
هذه مكافأة نهاية الخدمة .
لا أفهم شيئا . ماذا حدث سيدى . هل قصرت فى شيء؟ ؟!!
وبكل هدوء رد المسئول
أبدا . أنت جاسوس ماهر وعميل مثالى
لم نعد بحاجة إلى جواسيس .
لقد أصبحت بلادكم مليئة بالجواسيس المتطوعين والعلنيين .
لقد أصبح لنا كبار موظفي ووزراء بلادكم يعملون معنا . ويخافون علينا أكثر مما نخاف على أنفسنا. وجدوا مصلحتهم معنا .
ولقد أصبح لنا أخيرا جاسوس يجلس على كرسى الرئاسة .
ولم يعودوا حتى مضطرين للتخفي . كل شيء سيكون معلنا قريبا .
. وبخصوص الشبكة التى كانت تعمل معى . هل أصبحوا عاطلين هم الآخرين . ؟؟
. لا أبدا بالنسبة للضباط . سيتم ترقيتهم وبعد سنوات يحين دورهم فى المجلس الأعلى وهيئة الأركان .
ومن يدرى . ربما يصبح أحدهم الرئيس القادم .
أضف تعليقك