وتعددت الإجراءات الحكومية بالعام الماضي لتزيد من معدلات ارتفاع الأسعار، ما بين رفع للجمارك لمئات السلع، وفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات، وزيادة رسوم عدد من الخدمات الحكومية، وارتفاع الرسوم بالموانئ.
وساهمت الإجراءات الأمنية بإطالة فترة احتجاز البضائع بالموانئ لتزيد من تكلفة الأرضيات لكثير من السلع المستوردة ، ثم كان العامل الرئيس في نقص الدولار وبيعه بالسوق السوداء بأسعار عالية ليزيد من تكلفة الواردات، ليجيء التعويم للجنيه ويساوي بين سعر الدولار المرتفع بالسوق السوداء وبين سعره بالبنوك ، مما زاد من تكلفة السلع التي تستوردها الحكومة؛ فاضطرت لرفع أسعار عدد من السلع الغذائية التي توزعها بالمجمعات الاستهلاكية الحكومية، وقامت برفع سعر عدد من السلع التي توزعها على البطاقات التموينية مثل الزيت والسكر والدقيق.
وصاحب قرار تعويم الجنيه رفع قيمة الدولار الجمركي الذى يتم محاسبة الجمارك على أساسه للضعف، كما زادت أسعار المحروقات والنقل، وارتفعت الفائدة بالبنوك التي أصبحت بعض شهاداتها الادخارية تعطى عائدا يصل الى الـ20%، مما زاد من تكلفة الاقتراض للشركات لأكثر من ذلك المعدل.
ورغم أن مؤشرات الأسعار الصادرة عن جهاز الإحصاء الرسمي وعن البنك المركزي، تشير لتخطى معدل التضخم نسبة 30 % بشهري يناير وفبراير الماضيين، إلا أن غالبية المصريين لا يصدقون تلك المؤشرات، ولكنهم يصدقون أكثر الأسعار بالأسواق التي ارتفعت بشكل حاد يزيد كثيرا عن البيانات الرسمية.
7% للتضخم عام حرب اكتوبر
ولو يمر المصريون بهذه المؤشرات من قبل، ففي عام 1973 (عام الحرب ضد الإسرائيليين) كان معدل التضخم 7.2%، وفى عام 2008 عام التأثر بالأزمة المالية العالمية، بما فيها من ارتفاع للأسعار عالميا كان التضخم 18.3 %.
وأصبح السؤل الرئيس بالبيوت متى تنتهى موجة الغلاء؟ هل خلال ستة أشهر كما وعد رأس النظام؟ لكن عدم تنفيذه لوعوده السابقة بشأن ثبات الأسعار يقلل من تفاؤلهم، أم خلال عامين كما وعدت الحكومة ببرنامجها للبرلمان؟ أم بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي بالسنوات الثلاث لمدة القرض المقدم منه لمصر؟
المؤكد أن الشواهد تشير إلى توقع استمرار الغلاء، لأسباب تتعلق بالحكومة وأسباب تتعلق بالعالم الخارجي، حيث تلتزم مصر في إطار اقتراضها من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بخفض الدعم على الوقود والكهرباء والغذاء، مما يتوقع معه زيادة جديدة بأسعار الكهرباء والوقود ببداية يوليو/تموز القادم، ونفس الأمر لزيادة أسعار عدد من الخدمات الحكومية، ورفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة إلى 14 %.
ويرافق ذلك أسبابا محلية أخرى منها انتشار الاحتكار لعدد كبير من السلع، وهو أمر تشارك به جهات رسمية مما يعنى توقع استمراره، وزيادة حلقات تداول السلع وارتفاع هوامش الربح بكل حلقة، وزيادة معدلات الفاقد والتي يتم تعويضها برفع السعر ، واستمرار نقص تمويل البنوك للمستوردين خاصة من القطاع الخاص، وتشدد الجهات الحكومية والبنوك مع المستوردين حتى الجهات الحكومية لابد لها من الحصول على موافقة المركزي قبل الاستيراد، سعيا لخفض الواردات، لتخفيف الضغط على الدولار، وهو أمر يتسبب في نقص السلع بالأسواق ، وبالتالي ارتفاع ثمنها بحكم قانون العرض والطلب.
زيادات عالمية بأسعار الغذاء
ومع زيادة نسب التضخم يتريث المستثمرون المحليون والأجانب في تنفيذ استثماراتهم ، كما يتجه البعض للإيداع المصرفي بدلا من إقامة مشروعات أو التوسع بالمشروعات القائمة ، كما يتجه الكثيرون لاستثمار أموالهم في العقار والأراضي والمضاربات بدلا من الإنتاج ، كما تسبب معوقات الاستثمار الحالية في توقف الإنتاج جزئيا بكثير من المنشآت ، مما يقل المعروض من السلع.
أما العوامل الخارجية فتتمثل في زيادة أسعار الغذاء بالعالم ، والذى عبر مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة الذى ارتفع في فبرير/شباط الماضي بمعدل سنوي بنسبة 7 % ، نتيجة ارتفاع أسعار السكر وزيوت الطعام ومنتجات الألبان واللحوم ، وزيادة أسعار البترول الخام والغاز الطبيعي والمعادن.
الى جانب ارتفاع معدلات التضخم بالاتحاد الأوربي مؤخرا وبالولايات المتحدة مما ينعكس على أسعار السلع المستوردة منهم ، وزيادة تكلفة التأمين على السلع المستوردة بسبب ارتفاع المخاطر بالمنطقة.
ولمواجهة مشكلة ارتفاع الأسعار يستمر النظام الحاكم في نفس اجراءاته ، المتعلقة بتوفير بعض السلع بالمجمعات الاستهلاكية ومنافذ الجيش بأسعار أقل من القطاع الخاص ،وهى الإجراءات المستمرة منذ أكثر من عام ولم تفلح في إيقاف قطار الأسعار ، حيث يقصر عدد المنافذ المحدود عن الوصول لأعماق الريف والمناطق الشعبية ، وهو نفس الأمر لصعوبة وصول التخفيضات التي تمنحها المولات التجارية الى جموع المصريين.
ولم تنجح مبادرة القروض الميسرة للمشروعات الصغيرة ، كما لم تشهد المعوقات أمام المنتجين تحركا جديا لحلها مثل نقص الأراضي والتمويل والتراخيص ، ولم يتجه النظام للمشروعات الصناعية ، حيث ركز في مشروعاته القومية على انشاء تفريعة لقناة السويس ، ومناطق سياحية في هضبة الجلالة والعلمين ، ومشروعات طرق ومطارات جديدة.
وعندما اتجه للتوسع في الاستصلاح للأراضي شكك كثير من الخبراء في وجود مياه جوفية مستدامة للمساحات التي تم الإعلان عنها، وأن كثيرا منها مستصلحة بالفعل من قبل الأهالي ، وما سيتم هو إعادة تخصيصها لملاك آخرين قد يكونوا أقل خبرة.
أضف تعليقك