تمر أوروبا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد ، فهي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن لم تتعرض لمثل هذه التحديات التي تعيشها منذ الازمة الاقتصادية التي وقعت في العام 2008 ورغم كل النفقات التي تنفقها المانيا من اجل الابقاء على اوروبا موحدة الا ان شبح التفكك والافلاس يسيطر على بعض الدول ، وقد كشفت الازمة الاخيرة بين المانيا وهولندا من جهة وتركيا من جهة اخري حجم المعاناة التي تعيشها اوروبا فالعنصرية والعداء التاريخي يعيش في قلب مراكز صناعة السياسة والاخبار في تلك البلاد وان اخفته مسحة الديمقراطية والتقدم التكنولوجي والاقتصادي والتغني بالانسان وحقوقه ، ومن يريد ان يتعرف حقيقة على الانسان وحقوقه في تلك البلاد فما عليه سوي ان يزور الاحياء الفقيرة او الضواحي القريبة من العواصم والمدن الكبرى ليتعرف على حقوق الانسان غير الابيض الذي يعيش في تلك المناطق مهمشا في مسكنه وماكله ومشربه وكل شؤون حياته بشكل لا يرقي الى حقوق الحيوان في كثير من الاحيان.
ومن بين كل التجمعات المسلمة في الدول الغربية تجد الاتراك دائما مميزين بمطاعمهم وشركاتهم التجارية فهم ليسوا ناجحين في بلادهم فقط وإنما في المدن الاحياء التي يعيشون فيها في أوروبا ولان تركيا تمكنت من الدخول في منافسة قوية كسبتها في معظم الاحيان مع المنتجات الاوروبية فان عنصرية الغربيين وكراهيتهم لهم قد تضاعف في ظل ما ذكره لي نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد التركي الاسبق على باباجان في حوار اجريته معه قبل سنوات » لا يوجد بيت في اوروبا يخلو من منتج تركي ولا يخلو بيت اوروبي كل يوم من طعام تركي سواء كان خضارا او فاكهة او منتجات الالبان او غيرها » فقد تمكنت تركيا من غزو اوروبا في عقر دارها في كل شيء وهذا سر العداء والكراهية الاوروبية للاتراك .
الحقيقة التي لا يفهمها الاوروبيون الذين اعمتهم الكراهية والعنصرية والخوف من تركيا المسلمة هي ان ما يقومون به هو الذي سيوحد الاتراك على اختلاف مشاربهم وعرقياتهم تحت راية واحدة ، فالقومية التركية حاضرة بقوة لدى الاتراك وحينما اقول الاتراك فانها لدى من كل ينتمون الى عرق ارطغل مؤسس الدولة العثمانية الذي جاء من اسيا الوسطى واقام هذه الامبراطورية التي احتوت تلك المساحات الشاسعة من اوروبا وآسيا وافريقيا لقرون عديدة ، انهم بهذا العداء قدموا خدمة عظيمة لرجب طيب اردوغان ما كان له ان يحصل عليها حيث سيتوحد خلفه حتى الذين كانت تستخدمهم اوروبا في حربها عليه ، اما اردوغان فانه يخوض المعركة بكل قوة ، وهي معركة كلامية حتى الآن تساندها تحركات وقرارات سياسية وديبلوماسية لم يدفعه اليها الا ثقته في توحد الاتراك خلفه ، ولعل نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستوية المقررة الشهر القادم ستكون الحد الفاصل في المسألة.
أضف تعليقك