رغم تصاعد الانتهاكات والمظالم بحق القيادات الثورية والأحرار، إلا أنهم أصبحوا يُضرب بهم المثل في الصمود والثبات لما يقدمونه من تضحيات لم يفرطوا أو يتنازلوا عن نهجهم السلمي في مقاومة الظلم المتصاعد ولم يهادنوا ولم يقبلوا بأي مصالحات على حساب دماء الشعب المصري.
وكانت آخر قصص الصمود هي رسالة بعث بها عصام سلطان، المحامي ونائب رئيس حزب الوسط، من محبسه بسجن العقرب إلى رئيس محكمة جنايات القاهرة التي تحاكمه في هزلية فض اعتصام رابعة العدوية، والتي جاء فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد المستشار / رئيس محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة 21 مارس 2017
يتقدم بهذا / عصام سلطان الوارد اسمي بقرار اتهام قضية فض رابعة المنظورة بجلسة اليوم بالآتي:
على إثر رفضي المشاركة في مشهد الانقلاب مساء يوم 3-7-2013 بمقر وزارة الدفاع ، أصدر الجنرال قائد الانقلاب العسكري قراره باعتقالي يوم 4-/7-2013 وبدأت عملية مساومة لالغاء القرار مقابل تأييدي للانقلاب فرفضت، وبعد أيام تم القبض علي بتاريخ 29-7-2013 وتجددت المساومات وتجدد رفضي بل واصراري على رفض الانقلاب.
ومنذ إيداعي سجن العقرب بما فيه من انتهاك لكافة الحقوق الآدمية من تعذيب ومنع الطعام والشراب والدواء والكتب والزيارة وغير ذلك والمساومات لا تتوقف ورفضي يستمر في تأييد الانقلاب العسكري، وكلما أوشكت مدد الحبس الاحتياطي على الانتهاء يصدر الجنرال قائد الانقلاب التعليمات بقضية أخرى.
فصدرت تعليماته بحبسي سنة بتهمة "السلام عليكم" وإلقاء السلام على جنود الأمن المركزي لعلي أؤيد الانقلاب فازددت إصرارًا على رفضي ثم صدرت تعليماته بحبسي سنة أخرى بتهمة ضرب لواء شرطة لأؤيد الانقلاب فازددت عزمًا على رفضي كذلك.
فصدرت تعليمات مؤخرًا بوضع اسمي ضمن المتهمين في قضية فض اعتصام رابعة العدوية الذي جرت وقائعه يوم 14-8-2013 أي بعد صدور تعليماته الأولى بالقبض عليّ بأربعين يوما وبعدالقبض الفعلي علي بستة عشر يوما !!!
لتبدأ سلسلة جديدة من المساومات لتأييدي الانقلاب فيتم حرماني من جميع حقوقي أمامكم من استلام قرار الإحالة وأوراق القضية والالتقاء بالمحامين وغير ذلك لإجباري على تأييد الانقلاب وإلا سوف يحكم بإعدامي !
السيد المستشار / إما أن تعيد إلي حقوقي كاملة بمحاكمة صحيحة وضمانات مكفولة حسب نص الدستور والقانون والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر وإما أن تنفذ تعليمات قائد الانقلاب وفي هذه الحالة فلا داعي لعرض الأحراز أو سماع الشهود أو غير ذلك والأفضل أن تحكم بإعدامي مثل قضاة كثر حكموا بإعدام 528 مصريًا من أول جلسة محاكمة وبدون أية إجراءات أما أنا فإن إجابتي واضحة جدا وهي : "لن أؤيد الانقلاب العسكري ومرحبا بالبدلة الحمراء".
للصمود قصص أخرى
لم تكن قصة صمود عصام سلطان هي الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد ضرب قبله الرئيس محمد مرسي أروع مثال في الصمود ورفض الخنوع للانقلاب وسلطاته.
ويظل الرئيس مرسي معتقلًا لدى جنرالات الانقلاب، رغم عدم ثبوت أي من التهم ضده بدء من التخابر ومرورًا بقتل المتظاهرين والهروب من السجن، ورغم ذلك فإن التهمة التي لا ينفيها الرئيس ويتشرف بها هى انتمائه إلى محاضن جماعة الإخوان، التي أطلقت حزب "الحرية والعدالة" عقب ثورة 25 يناير، والتي خاص الرئيس الانتخابات بموجب رئاسته للحزب الشرعي.
وظهر الرئيس محمد مرسي منذ بداية المحاكمات متماسكًا غير آبه لما قد تنفض عنه، ورفض إشراف المحاكم التي يخضع للمحاكمة أمامها، ففي البداية في أول محاكمة له، صفع الرئيس الجلادين فوق المنصة وهو داخل القفص بقوله إنه ضحية "انقلاب عسكري" وإنه رئيس مصر وفقًا لدستور البلاد وإنه اعتُقِل قسرا.
ومنذ ذلك، خاف العسكر من كلمات الرئيس وأجبروه على الجلوس في أقفاص زجاجية عازلة للصوت في قاعات المحاكم، تحت ذريعة منعه من تعطيل إجراءات المحاكمة.
كما كشفت أسرة فضيلة المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع، عن المعاناة التي ترتكب بحقه من تضييق وسب وإهانة، دفعته إلى مطالبة قاضي احدي المحاكمات الهزلية بمحاسبة اولئك المتطاولين علي شخصه الكريم، قائلًا " هناك عميد من الشرطة سبه بأبشع الألفاظ " بالإضافه إلى تعرضه لإنتهاكات عديدة دون أي مراعاة لسنه ولا قيمته ومكانته العلمية و المجتمعية، بدءًا بالاعتداء عليه بالسب و الضرب من القوة التي قامت بإلقاء القبض عليه و هو ما تم تسجيله في محاضر التحقيقات أمام النيابة و لم يتم التحقيق فيه حتى الآن.
ولم يراع الانقلاب وقادته المجرمين، مكانة فضيلة المرشد العام للاخوان المسلمين الدكتور محمد بديع أحد القامات العلمية في مجاله علي مستوي العالم، والرجل الأول لأكبر جماعة إسلامية علي مستوي العالم، والذي يتواجد في صفوفها الملايين.
فيما تظل كلمات د. بديع حاضرة في الأذهان، حيث قال عقب الانقلاب : "سلميتنا أقوي من الرصاص"، "لو أعدموني ألف مرة والله لا أنكص عن الحق أبدا.. لم نكن نهذي حين قلنا الموت فى سبيل الله أسمي أمانينا".
وتبقى أروع قصص الصمود حاضرة عند ذكر اسم الدكتورمهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين، الذي ربما يكون أكبر سجين سياسي عمرًا في العالم، حيث قضى أكثر من نصف عمره خلف قضبان السجون، منذ النظام الملكي في مصر وحتى حكم العسكر الحالي.
فهو سجين كل عصور الحكم في مصر، سجن في عهد الملكية، وسجنه الرئيس عبد الناصر وحكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم للمؤبد، وسجن في عهد المخلوع محمد حسني مبارك إثر محاكمة عسكرية ضمن سلسلة "محاكمات الإخوان"، وهو أسير الحكم العسكري حاليا.
وتتوالى قصص صمود الأحرار، ليثبتوا للانقلاب أنهم باقون على العهد ولن يقبلوا المساومات التي يعرضها عليهم العسكر، لأنهم يفضلون الشهادة في حربهم ضد الظلم على الحرية في زمن العسكر الخائنون.
أضف تعليقك