منذ وقوع الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر في الثالث من يوليو عام 2013 وما تلاه من مذابح ومجازر ارتكبها العسكر بحق الشعب المصري في رابعة العدوية والنهضة وغيرها, أدركت كل القوى الحية في المجتمع إسلاميين وغيرهم من التيارات وكل من له قلب أو ضمير أن هذا الانقلاب لم يكن على الرئيس المنتخب أو جماعة الإخوان المسلمين فقط بل كان بالأساس انقلابا على ثورة الخامس والعشرين من يناير وكل مكتسباتها في العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
انقلاب شنته الثورة المضادة متمثلة في الدولة العميقة وداعميها الإقليميين والدوليين على ثورة الشعب المصري, فأنفقوا المليارات من أجل إعادة نظام المخلوع مبارك بوجهه الأشد قبحا وقمعا وانبطاحا وخيانة, وحدد مناهضو الانقلاب العسكري ومنذ اليوم الأول هدفهم الرئيس وهو إسقاط هذا الانقلاب وإنهاء الحكم العسكري واستعادة المسار الديمقراطي كاملا وتحقيق الأهداف التي من أجلها قامت الثورة المباركة, ومن أجل هذا الهدف ارتقى آلاف الشهداء وسُجن عشرات الآلاف وتعرضوا لكل ألوان التعذيب والتنكيل, ونُفي وشُرد آلاف آخرون من خيرة أبناء مصر على يد العسكر الخونة.
ولكن وبعد فترة من الزمن وجدنا كثيرا من أبناء ثورة يناير الذين يواجهون ويقاومون الحكم العسكري في الداخل والخارج ينحرفون عن هدفهم الأساس وينزلقون إلى هوة سحيقة لا قرار لها من التنازع والتشاحن والتناطح.
فنجدهم غير قادرين على جمع كلمتهم أو لم شملهم وتوحيد صفوفهم أو حتى الالتقاء على كلمة سواء تحت لافتة واحدة, رغم أن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم, حتى أبناء التيار الواحد والحركة الواحدة الذين قدموا التضحيات تلو التضحيات ولا يزالون, من شهداء ومعتقلين ومطاردين ومشردين يسقطون أيضا في بئر التنازع والشقاق يهجو بعضهم بعضا بألسنة حداد وكلمات كالسياط الملتهبة, في مشهد بائس قبيح, فتح أبواب الشماتة لكل عدو ناعق متربص وما أكثرهم, قاطعين حبل الود متناسين قول الله عز وجل في سورة الأنفال: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين"، وقوله تعالى في سورة الفتح: "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين".
أدى الانحراف عن الهدف إلى التعثر والتخبط على كل الأصعدة التي تتعلق بمقاومة الانقلاب العسكري سياسيا وإعلاميا وقانونيا وحقوقيا وانعكس ذلك على الحراك في الداخل والخارج, فتجد إعلاما كثير منه ينحرف بعقل المشاهد ووعيه عن قضيته الأساسية, وسياسيين معظمهم لا يجيدون قراءة الواقع بتداخلاته الإقليمية والدولية, وملفا حقوقيا تائها ضائعا إلا من مجهودات فردية تستر العورة, وباتت أبواق النظام الانقلابي ووسائل إعلامه لا تترك شاردة ولاواردة من هذه الخلافات إلا وتبرزها في تربص وشماتة واضحة لا تخطئها عين.
بطبيعة الحال ليس الغرض من هذا الكلام التيئيس أو الهجوم على أحد, لكن الغرض هو التنبيه والبحث عن الحلول قبل فوات الأوان, فسنن الله في هذا الكون لا تحابي أحدا, ولابد أن يعي الجميع بمن فيهم كاتب هذه السطور خطورة المرحلة ودقتها وضرورة إدراك اللحظة الفارقة من أجل إنقاذ هذا الوطن من براثن طغمة عسكرية فاسدة مجرمة جلبت الدمار والخراب لمصرنا, ومن أجل إنقاذ هذا الشعب المسكين الذي يرزح تحت وطأة القهر والذل والفقر, ولنتذكر جميعا عشرات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمشردين والمطاردين الذين قدموا كل غال فداء لوطنهم وأمتهم.
أضف تعليقك