رغم تكرار القمم واجتماع العمم ضاعت الذمم وأحلت القيم، فلا عجب أن يرتفع في يوم واحد ضحايا غارات الطغاة المجرمين في سوريا على سلقين وجسر الشغور بريف إدلب إلى ستة وثلاثين قتيلا. وارتفاع عدد ضحايا الغارات على الغوطة الشرقية إلى تسعة عشر، طفولة سوريا تواصل دفع الثمن.. قنابل تحتوي على غازات سامة في مدينة خان شيخون بريف إدلب قضت على أكثر من مئة قتيل معظمهم من الأطفال.. فقط في بلاد المسلمين الأطفال يقتلون ويعتقلون ويعذبون..!!
عندما يفجع طفل في والده أو والدته أو أخيه أو أخته أو في حياته قتلا أو قسرا أو اعتقالا فهذا قمة الجبن والخسة..!! لا شهامة ولا رجولة ولا مروءة!!
الجبناء باعوا الأرض وهتكوا العرض وضيعوا الفرض ويحسبون أنهم أقوياء!! ويظنون أنهم شرفاء!! الجبناء يستقوون على الضعيف وينالون من كل شريف ثم تجدهم عندما ينكشفون، يتساقطون كما تتساقط أوراق الخريف!!
لا يعرفون طريق الشجعان، ولا يتذوقون طعم الشجاعة، فالشجاعة تنشأ من إيمانك الراسخ أنك مخلوق للجنة، وأن هذه الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل!!
مع الشجعان تحوز الأمة مكانة يهابها خصومها، وتقرُّ بها عين حلفائها، حينئذ تكون عزيزة الجانب، صلبة القناة. وعزة الجانب وصلابة القناة لا ينزلان إلا حيث تكون قوة الإيمان ورباطة الجأش، والاستهانة بملاقاة المكاره، وذلك عين الشجاعة.
الشجاعة صنفان أحدهما: الإقدام على ميادين الجهاد والثبات على صد الأعداء ومقاومة العملاء وتسمى شجاعة حربية، والأخرى فهي الإقدام على قول الحق، وإبداء النصيحة، ولو لذي جاه أو سلطان، الذي يكره أن يؤمر بمعروف أو ينهى عن منكر.. وهذا ما يسمي شجاعة أدبية.
فبالشجاعة الحربية تُحمَى الأوطان من مهاجمة الأعداء، ويسود الأمن في البلاد، وبالشجاعة الأدبية يكون الناس على بصيرة من الحقِّ والباطل، والصواب والخطأ، فيقيمون الحقَّ، ويرجعون إلى الصواب.
تأخَّرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ *** لنفسي حياةً مثلَ أنْ أتقدَّما
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق ولمعت السيوف يتقدم المجاهدين إلى الصف الأول ويقول: اأنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب، وكان الصحابة الكرام يلوذون برسول الله، إذ أنه كان أشجع أصحابه، مرة سمعوا خبراً أو حركة مريبة فانطلقوا من بيوتهم ليتفحصوا الخبر فإذا بالنبي قد سبقهم، ورجع وقال: لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا.
والذي قال: أين محمد لا نجوت إن نجا؟ فأبى النبي إلا أن يبارزه بنفسه فأمسك رمحه ووكزه وكزة فولى هارباً يصيح فلما قيل له ماذا حصل؟ قال: والله لو بصق عليّ لقتلني.
وهذا مجاهد دخل إلى فلسطين المحتلة بعهد موشي ديان، وعمل عملاً فدائياً كبيراً، فلما دخل وزير الدفاع إلى الكنيست قامت الدنيا ولم تقعد، يلومونه، فقال ببرود: ماذا أفعل بإنسان جاء ليموت؟ أنا أقصى ما أملكه من تهديد أن ألوح له بالقتل، هو أراد أن يموت مختارًا.
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وقد عاش قوم وهم في الناس أموات
أما الذين يعذبون الحرة العفيفة سوا كانت طفلة أو فتاة أو أمًّا.. فقط من أجل قولة الحق لكي تقر عيون الأعداء فهم جبناء!! الذين يداهنون الأعداء ويزرعون الشحناء وينسجون البغضاء فهم الجبناء.. الذين يعلمون أن حقوقهم مهضومة، وحياتهم مهدومة وكرامتهم منزوعة وحريتهم مسلوبة ثم يصفقون للعملاء جبناء!! الذين يسخرون من الشرفاء ويحتقرون البسطاء ويمدحون العمالة والعملاء جبناء.. الذين يتملقون الحاكم ويغضبون العالم وينصرون الظالم جبناء وسيظلون جبناء.. الذين ينتقمون من العزل، ويفتخرون بالظلم وينصرون الباطل يحيون جبناء.
فإلى كل من يحاول تغيير الحقيقة وإلى كل من يغالب الحق ويداهن الباطل، إلى كل من يجابه الإسلام ويحارب الالتزام، في الصحف والمجلات، في الإذاعات والفضائيات، في الدوائر والهيئات.. أقول له مقولة خالد الخالدة: فلا نامت أعين الجبناء.
لقد كان جهاد خالد بن الوليد ضد أصحاب الردة جهادا كبيرا حتى على الأخطاء التي كان بعض الصحابة يراها في خالد رفض أبوبكر الصديق رضي الله عنه، أن يقبل قولهم قائلا: لا أشيم سيفا سله الله على المشركين، ثم انطلق إلى العراق وإلى الشام وفي عقله وفي فكره كلمة أبي بكر الصديق: "فر من الشرف يتبعك الشرف، واحرص على الموت توهب لك الحياة".
فلما عقلها الصاحبي الجليل خالد بن الوليد وتطبقها في "خاصة نفسه وعلى أفعاله وأقواله أنشأ جيلا رائعا، قال للفرس يوما: والله الذي لا إله إلا هو، لأسيرن إليكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة، ويرغبون في الآخرة كما ترغبون في الدنيا.
فقد تعرض للشهادة في كل موطن وأقبل إلى السعادة من كل وجه.. ولما دارت الدنيا دورتها وأخذت السنون من عمره وجد نفسه على السرير ممددا من غير جرح ويشتكي من غير كلم.. إنها لحظة لا يحبها الشجاع، عبر عنها خالد بن الوليد قائلا: أموت على فراشي كما يموت العَيْر.. لا نامت أعين الجبناء
وما استعصي علي قوم منال.. إذا كان الاقدام لهم ركاب
وهكذا هم المؤمنون، يعلمون أن ما أصابهم من خير أو شر، فهو مما كتبه الله سبحانه وتعالى لهم أو عليهم، يعرفون أن رزقهم مقسوم وأجلهم محتوم ومصيرهم عند الله معلوم.
فيجاهدون في سبيل الله بالكلمة والحكمة والموقف، يحرسون الحق لا يخافون في الله لومة لائم..!!
وهذا من شأنه أن يجعل الإنسان يعيش فى دنيا الناس لا يخشى إلا الله ولا يخاف إلا الله.. وهو يعلم أن: من لم يمت بالسيف مات بغيره.. والشرف كل الشرف أن يموت على طريق الشرف والشرفاء.
في وطن يفيض بالعمالة، ويتوشح بالخسة والنذالة ويتلون بدماء الأطفال في سوريا والعراق واليمن وكل البلاد العربية والإسلامية تقريبا، في وطن يعبث فيه الأعداء في أطفالنا قتلا وتشريدا كما كان الأطفال أنفسهم يعبثون في ألعابهم، تتصاعد كلمات خالدة جرت على لسان خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يقول: "لقد شهدتُ مائة زحف أو زُهاءَها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رَمْية، ثم ها أنذا أموت على فراشي كما يموت البعَيْر، فلا نامت أعين الجبناء.
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الاحياء
انما الميت من يعيش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء
عم .. فلا نامت أعين الجبناء ... فلا نامت أعين الجبناء ...
ولا دامت عمالة العملاء ... ولا قامت سطوة الاعداء ...
يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: إذا رأيت الظالم مستمرا في ظلمه فاعلم أن نهايته محتومة.. وإذا رأيت المظلوم مستمرا في مقاومته فاعرف أن نصره محتوم.. {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [الشعراء]
اللهم اكشف الغمة وانصر الأمة..
أضف تعليقك