تناولت صحف غربية تداعيات التفجيرات الأخيرة التي استهدفت كنيستين في مصر الأسبوع الماضي، وتأثيرها على العلاقة بين الأقباط وبين قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي.
وكان انتحاريان قد استهدفا كنيستين في طنطا والإسكندرية؛ بتفجيرين أسفرا عن مقتل 45 شخصا، وإصابة أكثر من 120 آخرين، وأعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عنهما، متعهدا بمواصلة استهداف الأقباط في البلاد بسبب دعمهم للنظام.
وعقب التفجيرين؛ انتقد كثير من الأقباط النظام الانقلابي، وحملوه مسؤولية الفشل في حماية الأقباط وتأمين الكنائس، حيث ردد أقباط غاضبون في الإسكندرية هتافات ضد السيسي وطالبوه بالرحيل، واعتدى أقباط غاضبون في طنطا لأول مرة بالضرب على مدير أمن الغربية داخل الكنيسة التي زارها بعد ساعات من التفجير لتقديم التعازي لقياداتهم.
وأعلن البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في بيان له الجمعة الماضي، عن إلغاء الكنيسة القبطية استقبال الشخصيات العامة التي تقدم التهنئة للأقباط بالعيد، مؤكدا إلغاء معظم الاحتفالات، واقتصارها على المشاركة بصلاة قداس ليلة "عيد القيامة" والاحتفال الطقسي في الكنائس والإبرشيات، "حتى لا تختلط مشاعر الاحتفال بمشاعر الحزن الذي تعيشه الكنيسة على شهدائها الذي سقطوا خلال الأيام القليلة الماضية في الإسكندرية وطنطا"، كما قال.
لكن اللافت للانتباه -بحسب مراقبين- أن الكنيسة لم تتخذ القرار ذاته حينما هاجم انتحاري الكنيسة البطرسية في القاهرة قبل أربعة أشهر، وأسقط نحو 29 قتيلا آنذاك
النظام تخلى عن الأقباط
ووصفت إذاعة "صوت أمريكا" السبت الماضي، إلغاء الأقباط لاحتفالات العيد هذا العام، بأنه "رسالة غضب ضد السيسي، وإشارة نادرة على سخطهم من النظام".
من جانبها؛ قالت صحيفة "بيلد" الألمانية، إن السيسي تخلى عن الأقباط، ولم يحقق لهم الأمان الذي وعدهم به أمام العالم أثناء زيارته للكاتدرائية لتهنئتهم بعيد الميلاد قبل عدة أشهر.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها الخميس الماضي، إنه "منذ تولي السيسي الحكم؛ ازداد وضع الأقباط سوءا"، مشيرة إلى أن "دعم الكنيسة للنظام، وعلاقة الصداقة بين تواضروس والسيسي؛ فاقمت من تكرار الهجمات الإرهابية على الأقباط في البلاد".
وأكدت "بيلد" أن "عدم تصدي النظام للهجمات الإرهابية على الأقباط، على الرغم من مساندتهم المطلقة له؛ سيجعل من الصعب على قيادات الكنيسة استيعاب غضب الأقباط، أو تبرير ممارسات السيسي في المستقبل".
الأقباط غاضبون
وقال الباحث السياسي جمال مرعي، إن "هناك فشلا واضحا في المنظومة الأمنية، حتى إن النظام الحالي أصبح عاجزا عن حماية الكنائس"، مشيرا إلى أن "غضب الأقباط ضد النظام أصبح جليا أيضا للجميع خلال الشهور الماضية، حيث اختفت هتافات التأييد للسيسي في التجمعات القبطية، وحلت محلها الهتافات الغاضبة من النظام".
واستدرك مرعي: "لكن على مستوى القيادات؛ ما زالت الكنيسة تؤيد النظام، ولا أعتقد أن هناك غضبا من جانبها تجاه النظام؛ لأنها تعي تماما دقة المرحلة التي تمر بها البلاد، وحالة الترصد الواضحة من جانب التنظيمات الإرهابية ضد الأقباط، بحجة تكفيرهم واستباحة دمائهم".
وتابع: "خلال العقود الماضية؛ كانت الكنيسة تنجح في السيطرة على الغضب القبطي عندما كانت تحدث حوادث فتنة طائفية، أو اضطهاد للاقباط".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الغالبية الساحقة من الأقباط لا يستطيعون مخالفة توجهات الكنيسة حتى لو كانوا في حالة غضب من النظام، ولا أعتقد أن العلاقة بين الكنيسة والنظام ستتغير في الفترة المقبلة؛ لأن الوضع الأيديولوجي لهذه العلاقة ثابت تاريخيا، فهم يعلمون جيدا أنه في كل الصراعات السابقة بمصر كان الإرهابيون يستهدفون الأقباط".
السيسي يحاول احتواء الغضب
من جانبه؛ قال أستاذ العلوم السياسية، مصطفى كامل: "أخشى أن يخلق تكرار الحوادث الإرهابية، والفشل الأمني المتكرر؛ نوعا من العداء القبطي تجاه النظام".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الأقباط كتلة كبيرة في مصر، ولا يمكن الاستهانة بهم، والنظام يعلم ذلك جيدا، لذلك يقوم السيسي بنفسه بمحاولات متكررة لاحتواء غضب القيادات القبطية؛ من خلال زيارته للكنيسة أكثر من مرة".
وأكد أن "السيسي حريص على توطيد علاقته بالبابا تواضروس؛ لأنه يفهم جيدا عقلية المواطن القبطي ومدى احترامه للبابا، ولذلك فهو يقوم بتوصيل رسائله للأقباط من خلال البابا تواضروس"، لكنه حذر من أن "علاقة السيسي بالبابا مرشحة للتوتر بسبب تزايد حوادث استهداف الأقباط".
وتابع كامل: "لم يعد الأقباط فقط هم من يشعرون بالسخط على النظام، فهناك غضب شعبي عام تجاه النظام من غالبية المصريين، أقباطا ومسلمين، بسبب الإجراءات الاقتصادية، وزيادة الأسعار، وتدهور الظروف المعيشية، وهذا يلمسه المواطن القبطي والمسلم على حد سواء، كما أن تكرار الحوادث الإرهابية يعزز من فقدان الثقة في النظام لدى أي مواطن".
أضف تعليقك