هذا خبر يجمع فى صداه بين الفرح والفزع. إذ لابد أن يفرح المرء حين يقرأ أن ثمانية أشخاص سجنوا ظلما لثلاث سنوات أطلق سراحهم بقرار من قاضى الجنايات، إلا أن ما روعنى وأفزعنى اكتشاف أن التهم المشينة والجسيمة التى وجهت إلى أولئك الأشخاص وأدت إلى سجنهم طوال تلك المدة كانت جميعها ملفقة، ولا أساس لها من الصحة، ليس ذلك فحسب، وإنما كان مثيرا للحزن والشعور بالخزى أن تربط وسائل الإعلام بين القرار وبين ضغوط خارجية مورست دفاعا عن المتهمة الرئيسية فى القضية تبين أنها تحمل الجنسية الأمريكية فضلا عن المصرية، كأنما سجنت واتهم معها سبعة آخرون لأنها مصرية، ثم برئت ومعها الجميع لأنها أمريكية.
أتحدث عن قضية جمعية «بلادى» التى أنشأتها السيدة آية حجازى وزوجها محمد حسانين لرعاية أطفال الشوارع فى مصر، كانت جريمة السيدة التى اكتسبت الجنسية الأمريكية ودرست القانون فى جامعة جورج ميسون أنها عادت إلى مصر بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ أملا فى أن تسهم بأى جهد لتحقيق الحلم الذى راود الجميع آنذاك لبناء مصر الجديدة. وقد بدأت تنفذ مشروعها بعدما أنشأت الجمعية وحصلت على التصريح القانونى اللازم لذلك. إلا أنها لم تسلم من الأذى أثناء الإعصار الأمنى الذى ضرب مصر فى عام ٢٠١٣، إذ فى أول مايو ٢٠١٤ ألقت الشرطة القبض على أحد الأطفال فى ميدان التحرير أثناء إحدى المظاهرات. وكان ذلك خيطا أوصلها إلى الجمعية وأدى إلى إلقاء القبض على عشرين طفلا بعد اقتحام المقر، كما ألقى القبض على آية وزوجها. ومعهما بعض المتطوعين الذين اشتركوا فى رعاية أولئك الأطفال. التهم التى وجهت إلى المجموعة شملت تشكيل وإدارة عصابة متخصصة فى الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسى للأطفال وهتك أعراضهم، وتسخيرهم فى جمع تبرعات مالية. وكذلك تكوين عصابة منظمة لاختطاف أطفال الشوارع والهاربين من سوء معاملة ذويهم، واحتجاز أطفال داخل كيان مخالف للقانون بدون ترخيص.
بسبب تلك الاتهامات أصبح الجميع متهمين فى القضية رقم ٤٢٥٢ لسنة ٢٠١٤ التى انبنت على التقارير والتحريات الأمنية التى تضمنت المعلومات سابقة الذكر. وجرى تجديد حبسهم عدة مرات منذ ذلك الحين، إلى أن قررت المحكمة تبرئتهم هذا الأسبوع (الأحد ١٦/٤). وكانت تلك مفاجأة سارة وصادمة فى الوقت ذاته، والملاحظ أن القرار الذى صدر بحقهم لم يكن عفوا رئاسيا ولكنه كان تبرئة من التهم التى نسبت إليهم. وهو ما يعنى أن كل تقارير الأجهزة الأمنية التى انبنت عليها القضية وأدت إلى تجديد حبسهم حينا بعد حين كانت تلفيقا لم تأخذه المحكمة على محمل الجد. وكان طبيعيا أن يثير ذلك عاصفة من تساؤلات الاستنكار والدهشة، التى طعنت فى صدقية تقارير الأجهزة الأمنية واستغربت استمرار تجديد الحبس للأبرياء المتهمين بناء عليها طوال السنوات الثلاث السابقة. كما تحدثت عن كيفية تعويض المتهمين عن الظلم الذى تعرضوا له. وكان ما كتبه زميلنا الأستاذ حمدى رزق فى المصرى اليوم (عدد ١٨/٤) وافيا فى هذا الصدد، إلا أن ثمة جانبا فى القضية لم يلق حظه من الاهتمام رغم خطورته وكثرة ضحاياه، ذلك أن ما جرى مع المسئولين عن جمعية بلادى ليس استثناء، لكنه القاعدة فى القضايا التى تمت الإدانة فى أغلبها خلال السنوات الثلاث السابقة. ومشكلة ضحايا التقارير الأمنية التى يتم الاعتماد عليها فى سجن الألوف أو إدانتهم أنهم جميعا ليسوا محظوظين، لأنهم يحملون الجنسية المصرية. صحيح أن المنظمات الحقوقية المستقلة لم تتخل عنهم، لكن تقاريرها ليست من النوع الذى تأبه به السلطات المعنية فى مصر، لذلك فإن الأفق أمامهم يبدو مسدودا. ولا يبدو أن ثمة أملا مرئيا فى إطلاق سراح الأبرياء منهم، فى الأجل المنظور على الأقل، وليس أمام الجميع فى هذه الحالة إلا أن يرفعوا أيديهم إلى السماء مرددين استغاثة السوريين التى يقولون فيها ما إلنا غيرك يا ألله.
أضف تعليقك