صورة الأسبوع بامتياز هى تلك التى ظهر فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وهو يستقبل فى البيت الأبيض آية حجازى بعدما برأتها محكمة جنايات القاهرة وأطلق سراحها من السجن الذى قضت فيه ثلاثة أعوام. الصورة التى تناقلتها وكالات الأنباء العالمية أمس الأول (السبت ٢٤/٤) كانت مفاجئة لنا. إذ إننا اعتدنا على رؤية آية وراء قضبان قفص الاتهام فى المحكمة، وقد تدثرت بثياب السجن البيضاء وتلفحت «بطرحة» غطت بها شعر رأسها، لذلك كان منظرها غريبا ذلك المساء وفى جلوسها أمام الرئيس الأمريكى مرتدية بدلة سوداء أنيقة وعلى وجهها علامة الاطمئنان والسعادة. وحين علمت أن الرئيس الأمريكى أرسل طائرة خاصة لنقلها إلى واشنطن، استحضرت على الفور صورتها وهى تهم بركوب عربة الترحيلات وتلوح لأهلها قبل أن تعيدها إلى سجن القناطر الخيرية بعد جلسة المحاكمة.
لم يكن تصرف الرئيس الأمريكى فريدا فى بابه، فثمة سابقة وقعت فى عام ٢٠١٢ حين اتهم تسعة أمريكيين وثمانية من جنسيات أخرى فى قضية «التمويل الأجنبى»، ولكن الاتصالات التى تمت مع المجلس العسكرى القائم على الأمر آنذاك انتهت بتسفير الجميع على طائرة أمريكية خاصة، أثناء نظر القضية. مع ذلك فأغلب الظن أن ما حدث مع آية حجازى يسهم فى تحسين صورة الرئيس الأمريكى، وقد نجح فى ذلك إلى حد كبير. بذات القدر فإن ما فعله الرئيس ترامب معها إذا أضاف شيئا إلى رصيده، فإن قصة آية التى أصبحت محل اهتمام عالمى تعد خصما من رصيد مصر وصورتها فى الخارج التى تسهم ممارسات النظام فى تشويهها بين الحين والآخر. إذ فى حين ظهر ترامب باعتباره رئيسا حريصا على كرامة مواطنيه. فإن آية صارت رمزا للمظلومية فى مصر التى ظهرت بحسبانها الدولة التى تسجن مواطنيها ظلما لعدة سنوات، ولا تطلق سراحهم إلا بعد تدخل خارجى من إحدى القوى الكبرى.
إذا نحينا جانبا مشاعرها الخاصة جراء الانتقال المفاجئ من زنزانة بسجن النساء إلى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض فسنجد أن الصورة محملة برسائل عدة تستحق القراءة منها ما يلى:
< إذ رأينا فيها نموذجا يستحق المقارنة بين دولة تدافع عن كرامة مواطنيها وأخرى تهدر منها تلك الكرامة.
< أدركنا بأن ما يقال فى الخطب والمقالات عن مغازلة المواطنين وسمو مكانتهم يتبدد فى غمضة عين فى لحظة الاختلاف، بحيث يصبح مصير المواطن معلقا على درجة ولائه وانسحاقه، ومن ثم تصبح كرامته من المتغيرات وليست من الثوابت.
< أدركنا أيضا بأن العدالة بمختلف عناوينها ومفرداتها ليست كافية ولا ضامنة لحماية الأفراد، ولكن السياسة هى التى تحسم مصائرهم.
< إن المواطن البرىء ــ الضعيف والأعزل ــ يمكن أن يجد نفسه متهما فى قائمة طويلة من الجرائم التى تلقى به وراء الشمس لمجرد أن التقارير الأمنية اخترعتها لسبب أو آخر. واتهام آية ورفاقها بتكوين عصابة للاتجار بالبشر والاستغلال الجنسى للأطفال (وبقية التهم التى برئوا منها) لم يختلف عن اتهام قبطى بأنه من الإخوان أو اتهام كفيف بأنه كان قناصا أو اتهام ناشط بأنه شيوعى وإخوانى وعضو فى ٦ إبريل بنفس الوقت.
< لأن آية حجازى لم تكن لها علاقة لا بالإرهاب ولا بالإخوان وكل «جريمتها» أنها تصرفت هى وزملاؤها بدوافع وطنية خالصة حركتها ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، فقد جرى تجريمها ضمن الجيل الذى عوقب لاحقا لأنه استجاب لنداء التغيير وإقامة مصر الجديدة.
< إن الذى ظهر فى الصورة لم يكن فقط شخص آية حجازى، ولكنه أيضا تجسيد لوجع مصرى عانت منه البلاد منذ عام ٢٠١٣ وراح ضحيته آلاف البشر، الذين حدث مع بعضهم على الأقل ما عانت منه آية وزملاؤها.
< إن المواطن المصرى لكى يؤمن نفسه أمامه ثلاثة خيارات. فإما أن يعتزل الشأن العام ويبقى فى حاله منشغلا بأسرته وحدود بيته. وإما أن يهاجر فى بلاد الله الواسعة، وإما أن يستميت ليحصل على جواز سفر لدولة محترمة، تقف إلى جواره عند اللزوم. ذلك أن المواطن الصالح فى هذا الزمن هو المواطن المهاجر، سواء بقى فى داخل البلاد أم خارجها.
أضف تعليقك