{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه }
مرحباً بطلعة الوليد الحبيب بشير الخير العميم ، هلال رمضان ومشرق أنوار القرآن ، وشذا نفحات الجنان ، وواحة الاسترواح في صحراء العام ، رواح الأرواح بالصلاة والصيام والقيام ، فاللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان والطمأنينة والسلام ، هلال خير ورشد ، إن شاء الله ، والله أكبر والحمد لله.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : (إذا أقبل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النيران ، وصفدت الشياطين ، ونادي مناد من قبل الحق تبارك وتعالى : يا باغي الشر أقصر ، ويا باغي الخير هلم).
لقد بني الإسلام على شرائع وعبادات ، وفرائض وواجبات ، كان من جميل صنع الله لعباده فيها أن أقامها على دعائم من الخير ، وقواعد من البر ، تفيدهم في الدنيا ، وتنفعهم في العقبى ، وتسعدهم في الآخرة والأولى.
فالقاعدة الأساسية : في العبادة المتقبلة الكاملة النية الصالحة الفاضلة والإخلاص فيها لرب العالمين : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى) فما لم يكن الدافع الأول إلى العبادة قلبياً ، تشترك فيه خلجات الوجدان مع حركات الأبدان ، وتحضر فيه القلوب ، وتطهر به الأرواح والنفوس فلا وزن لها ولا مثوبة عليها ، (وليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها ، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش).
والقاعدة الثانية : دفع الحرج والعسر وإيثار السهولة واليسر ، فليس في تكاليف الإسلام وعباداته ما يشق على العابدين أو يرهق نفوس المكلفين :
{ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ }
{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا).
وهكذا تتمشى هذه القاعدة في محل التكاليف الشرعية ، والعبادات الإسلامية ، وتأمل ذلك تجده مطرداً في كل الأحكام ، وإليك ما جاء منه خاصاً بفريضة الصيام :
{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
والقاعدة الثالثة : أن لهذه العبادات آثارها العملية النافعة في حياة الفرد والجماعة ، وليست مفروضة لمجرد التعبد والطاعة ، فهي أوضاع لوحظ فيها المعنى الدنيوي الاجتماعي ، إلى جانب الربح الأخروي ، والتهذيب النفساني ، فما أمر الإسلام إلا بطيب فيه خير يرى الناس في حياتهم العلمية أثره ، وما نهاهم إلا عن خبيث يلمسون شره وضرره :
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
فيا أيتها الأمة المسلمة : قد أظلك شهر الصيام ، وفيه ركن من أركان الإسلام ، وإن عليك فيه لواجبات وله منك حقوق :
أولها : أن تهيأ النفوس لاستقباله بالتوبة الصادقة النصوح ، والتطهر الشامل الكامل :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } .
وثانيها : الحرص على صومه حسياً ومعنوياً والامتناع عن المفطرات ، وكف الجوارح عن الآثام والمنكرات وصدق التوجه ، ودوام التأمل ، وكثرة التذكر والتفكر في ملكوت الأرض والسموات.
وثالثها : الإكثار من الطاعات فيه وبخاصة البر والإحسان وتلاوة القرآن ، فإن الله يضاعف فيه مثوبة المتصدقين ويرفع فيه درجات التالين المتدبرين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان حين يعارضه جبريل عليه السلام بالقرآن فلرسول صلى الله عليه وسلم أجود الخير من الريح المرسلة.
ورابعها : المحافظة على التراويح والقيام ومناجاة الملك العلام، فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، وكم لهذه الصلاة في قلوب الخاشعين فيها والمعنيين بها من مشارق لامعة وأنوار ساطعة.
{ قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون }
ولنا بعد ذلك مع الحكومات الإسلامية كلمة هي النصيحة التي لا مفر منها ولا معدى عنها : لماذا لا تعتبر الإفطار في نهار رمضان جريمة كجرائم الإخلال بالنظام والآداب العامة وتضع من القوانين ما يروع المفطرين ويصون حرمة هذا الركن من أركان الدين ؟
ولا يكفي أن تصدر الوزارات منشوراً تقليدياً للموظفين باحترام شهر رمضان ، وتنصح بعدم التجاهر ببعض أنواع العصيان ، ثم لا تتبع ذلك بالرقابة الزاجرة والعقوبة الرادعة ؟ ولماذا لا تجرب الحكومة الحزم ولو مرة واحدة فتؤدي بذلك واجبها وتنقذ الناس ، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
فاللهم ألهمنا البر والرشاد ، ووفقنا للخير والسداد ، إنك أهل التقوى والمغفرة.
أضف تعليقك