منذ ثانيتين
بعد الفاجعة التى شهدتها محافظة المنيا ما عاد هناك بديل عن إعادة التفكير والمراجعة.
لا أجادل فى أن الصدمة مبررة والغضب حق والاستنكار فرض عين والمواساة واجبة، لكن ذلك كله لا يكفي، بل أزعم أنه فقد معناه وأثبتت التجربة أنه لم يكن مجديا ولا شافيا، ومن ثم تعين علينا أن نتدبر ما جرى من خلال محاولة الإجابة عن السؤال التالى: هل نحن بصدد مشكلة تقصير فى العلاج، أم قصور فى التشخيص؟
أدرى أن ثمة سؤالا ينبغى أن يطرح بخصوص مدى كفاءة الاحتياطات الأمنية التى مكنت الجناة من تحقيق مرادهم. ويقترن التساؤل بالدهشة حين نلاحظ أن بعض السفارات الأجنبية (الأمريكية مثلا) كانت قبل أيام معدودة قد حذرت رعاياها من احتمال وقوع حوادث إرهابية. وهو ما لم تكترث به الجهات المعنية، الأمر الذى أدى إلى خروج حافلتي الأقباط التي أقلت نحو مائة شخص فى رحلتهم التقليدية صبيحة الجمعة بغير حراسة إلى دير الأنبا صموئيل المقام فى جوف الصحراء على بعد ٢٥٠ كيلومترا، فتصيدهم المتربصون وجرى ما جرى.
وسواء قصرت مطرانية الأقباط فى إبلاغ الأجهزة الأمنية بالرحلة، أو أن تلك الأجهزة لم تأخذ على محمل الجد رسالة استهداف الأقباط فى مصر التى أعلنتها داعش. بالتالى لم تر ضرورة لحماية الرحلات التى يقومون بها للأديرة، فالشاهد أن ثمة ثغرة أمنية استعملها الجناة لارتكاب جريمتهم.
ثمة أكثر من سؤال آخر يتعلق بمدى كفاية المعلومات عن أنشطة الإرهابيين ومخططاتهم. ذلك أن النقص الملحوظ فى ذلك الجانب، الذى تكرر أكثر من مرة، مكن الإرهابيين من مفاجأة السلطة والمجتمع بعملياتهم الصادمة التى خرجت من سيناء إلى بعض أنحاء الوطن.
خلال السنوات الثلاث الماضية ظل التعامل مع العمليات الإرهابية يتم من خلال التعبئة الإعلامية والسياسية والإجراءات القانونية والقضائية. فاعتبر الخلاف السياسى إرهابا وتم دمج المعارضين ضمن الإرهابيين وأدرج التظاهر السلمى ضمن القائمة، وترتب على ذلك أن السجون امتلأت بالنزلاء وتم التوسع فى الحبس الاحتياطى وفى الأحكام أمام القضاء المدنى والعسكرى. وأعلنت الطوارئ وعدلت القوانين حتى أصبحت أكثر تشددا، حتى الجمعيات الأهلية تعرضت للمصادرة والتنكيل، كما أطلقت أيدى الأجهزة الأمنية التى مارست ما لا حصر له من انتهاكات سجلتها التقارير الحقوقية. وفى الوقت ذاته رفع شعار تجديد الخطاب الدينى، الذى استخدمه البعض للهجوم على التراث وتحول إلى ميدان للتنافس على الانتقاد والتجريح من جانب البعض، وتخلله التزلف وممالأة السلطة من جانب البعض الآخر.
فى الوقت ذاته لم تتوقف المؤتمرات المحلية والدولية التى واصلت هجاء الإرهاب والتنديد به. وقرأنا أخيرا عن تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب فى مصر، وعن مركز عالمى أقيم فى الرياض للمهمة ذاتها، وسبق هاتين الخطوتين تأسيس مرصد للفتاوى الشاذة والآراء المتطرفة تابع لدارالإفتاء المصرية، ومرصد مماثل تابع لمشيخة الأزهر... إلخ.
الخلاصة أننا فعلنا كل ذلك لكننا لم نحقق الهدف المنشود، إذ استمر الإرهاب ومدد نشاطه بحيث خرج من سيناء، ولمسنا له حضورا قويا فى المنيا خلال الأيام الأخيرة. وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأننا تحركنا كثيرا لكننا لم نتقدم خطوة إلى الأمام. الأمر الذى يعيد علينا السؤال الذى طرحته قبل قليل بخصوص تحرى موضع الخلل، وهل هو فى العلاجات التى استخدمت أم فى تشخيص المرض ــ غدا نحاول الإجابة عن السؤال.
أضف تعليقك