وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينظر من وراء حجب الغيب، حين قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)!!
فقد قال شيخ العسكر "أحمد الطيب": إن الشرع أعطى الرجل الحقَّ في أن يرى خطيبته وينظر إليها؛ لكي يختبر مشاعره نحوها، هل يميل إليها أم لا"؟ وجاء بأحاديث كثيرة تبيح نظر الخاطب إلى المخطوبة، واستدل بأقوال من المذهب الحنبلي لتأييد ما ذهب إليه، وأن الشرع يبيح للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة التي يريد أن يخطبها، وهو رأي الجمهور؛ لأن الوجه يجمع محاسن الإنسان سواء أكان رجلاً أم امرأة، والكفين والقدمين عند مذهب الإمام أبي حنيفة؛ لأن اليدين والقدمين مؤشر قوي على حيوية البدن وطاقته ... إلى أن قال: وهنا أسأل الذين يوجبون على المرأة تغطية وجهها ويديها، ويفرضون عليها النقاب شرعًا – وحديثي عن الشرع ليس عن العادات والتقاليد التي ليس لها في الإسلام نصيب لا قليل ولا كثير- كيف يستقيم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ينظر إليها: "فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ"، وقوله - صلى الله عليه وسلم ـ: "انظر إليها"، والأمر بالنظر إنما يكون بالعينين لا بجارحة أخرى، كيف يستقيم الأمر بالنظر مع ما يقولون بأن تغطي المرأة وجهها وكفيها؟ وأين هذا العقل الذي يستطيع أن يفهم هذا التناقض؟ وقال: إنه "ثبت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة كانت تكشف وجهها ويديها، ومن هنا صح أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنظر الرجل إلى المرأة قبل أن يختار زوجة أو شريكة للحياة.
بداية نقول للطيب: إن من أراد أن يتزلف للطاغية فلا يكون ذلك على حساب الدين والشرع الكريم، وسوف نرد على شيخ العسكر، وتناقضه العجيب، بل وعلى جهله بالنصوص الشرعية، وبما أفتت به لجنة الفتوى فى الأزهر الشريف، والتي جاءت ردا علي سؤال تقدمت به مواطنة للجنة الفتوى بالأزهر الشريف تقول فيه: ما حكم النقاب في المذاهب الأربعة من حيث الوجوب أو الندب؟ لتدحض فتوى علي جمعة، بأن النقاب عادة ومكروهة في الإسلام، وأن من تخالف ذلك تعتبر خارجة على ولي الأمر، وقالت اللجنة التي ضمت أربعة من شيوخ لجنة الفتوى بالأزهر الشريف في ردها: إن مادة الحجاب جاءت في ثمانية مواضع في القرآن الكريم كلها تشير إلي أن معناه المنع والستر، أي ما يمنع ويدفع وقوعها بين الرجال والنساء، واستندت إلى أحاديث نبوية تؤكد هذا أيضا، وأضافت اللجنة: إنه لم يرد نص في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا إجماع على وجوب ستر الوجه والكفين، لأنهما ليسا بعورة ويحمل تغطية الوجه والكفين على الاستحباب فقط، وهو مذهب أكثر أهل العلم، لهذا غالبا ما نجد تصريح العلماء بأن الوجه والكفين ليسا بعورة.
وتابعت: لذا كان لزاما علي المرأة المسلمة بمقتضي آيتي النور والأحزاب أن تستر جسمها من قمة رأسها إلي ظاهر قدمها وليس لزاما عليها أن تخفي وجهها وكفيها بنقاب أو قفاز، باعتبار أنه لم يقم دليل صريح من القرآن ولا من السنة بوجوب إخفاء الوجه والكفين.
وأشارت اللجنة إلى أن الأصل في المذهب الحنفي بجواز كشف وجه وكفي المرأة عند الأمن من الفتنة، وأفتى المتأخرون بسترها لسوء حال الناس، مشيرة إلى قول الإمام الطحاوي في حاشية مراقي الفلاح (ص: 161) ومنع الشابة من كشفة "أي الوجه" لخوف الفتنة لا لأنه عورة، أما في المذهب المالكي فأكدت لجنة الفتوى بالأزهر أن البعض ذهب بأن عورة المرأة مع رجل أجنبي عنها جميع البدن غير الوجه والكفين، وأما هما فليسا بعورة وإن وجب عليها سترهما لخوف الفتنه، وذهب آخرون إلى أنه إن خُشِي الفتنةُ عليها سُتِر الوجه والكفان، وقال القاضي عبد الوهاب إنه لا يجب سترهما ويجب غض البصر عن الرؤية، وقال ابن العربي إن المرأة كلها بدنها وصوتها عورة، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة كالشهادة أو داء ببدنها أو سؤالها عما يعن ويعرض عندها.
فيما أوضحت أنه في المذهب الشافعي هناك ثلاث حالات؛ الأولى أن يخاف الفتنة أو ما يدعو إلي الاختلاء بها لجماع أو مقدماته؛ "فالنظر والكشف في هذه الحالة حرام بالإجماع"، والثانية أن ينظر إليها بشهوة وهي قصد التلذذ بالنظر المجرد وأمن الفتنة "فيحرم مطلقا وعلى المرأة أن تستر وجهها وكفيها"، والثالثة أن تتقي الفتنة وتؤمن الشهوة، وفي هذا قولان بأنه لا يجوز النظر ولو من غير مشتهاة أو خوف فتنة على الصحيح، ولا يحرك عند أمن الفتنة وعدم الشهوة لقولة تعالى "ولا يبدين زينتهن"، وهو مفسر بالوجه والكفين كما قال الجمهور والشيخان النووي والرافعي، وأما المذهب الحنبلي فقال الإمام أحمد كل شي منها أي من المرأة الحرة عورة حتى الظفر "جملة واحدة"، وخلصت اللجنة إلى أن الفقهاء متفقون على وجوب تغطية المرأة لبدنها عن الأجانب، سواء منهم من يري أن الوجه والكفين عورة كالحنابلة وبعض الشافعية، ومن يري أنهما ليسا بعورة كالحنفية والمالكية، وجمهور الشافعية لكنهم يوجبون سترهما عند خوف الفتنة "خاصة إذا كانت المرأة علي قدر كبير من الجمال والفتنة"، وخاصة في هذا الزمان وذلك لفساد أكثر الناس ورقة دينهم وعدم تورعهم عن النظر إلي وجه المرأة الذي هو مجمع المحاسن ومعيار الجمال ومصباح البدن.
وأكدت اللجنة أنه مما سبق يتبن أن النقاب من الإسلام، بدليل أقوال الفقهاء وليس عادة، وأنه ليس ببدعة منكرة، وأنه محل خلاف بين الفقهاء من حيث وجوبه وعدم وجوبه، وأن رأي جمهور الفقهاء يجيز كشف الوجه والكفين، والآخر يوجب النقاب كما سبق بيانه.
كما نسوق لشيخ العسكر فتوى الشيخ عطية عسكر، رحمه الله، أحد علماء الأزهر البارزين حيث يقول: حديث السيدة عائشة رواه أبو داود، وابن مردويه، والبيهقي، عن خالد بن دريك عنها، وهو: أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا"، وأشار إلى وجهه وكفيه.
يقول الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب ج 3 ص 33": هذا مرسل، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة. وذكره القرطبي في تفسيره، وقال: إنه منقطع. وقال ابن قدامة في " المغنى ": إن صح هذا الحديث فيكون قبل نزول الحجاب. وبناء على هذا؛ لا يوجد دليل يستثني وجه المرأة وكفيها من وجوب سترهما.
ويؤكد ذلك الشوكاني بأن المسلمين من قديم الزمان على ذلك، ويميل إلى هذا في زمن يكثر فيه الفساق. والخلاف موجود بين الأئمة .... وما دام الأمر خلافيًّا فلا يحكم ببطلان رأي، ولا يجوز التعصب لغيره، وللإنسان حرية الاختيار، وكل هذا الخلاف ينتهي إذا كان وجه المرأة جميلًا تُخشى منه الفتنة فيجب ستره.
ونسوق أيضا ما رواه ابن هشام عن عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عوانة: «أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على يهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، في باب ما يلبس المحرم من الثياب، قالت: (لا تلثّم - أي المرأة - ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبا بِوَرِسٍ ولا زعفران).
وما رواه مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين).
فما معنى نهي المرأة عن أن تتبرقع أو تنتقب أثناء الإحرام بالحج؟ ولماذا كان هذا النهي خاصا بالمرأة دون الرجل؟ لا شك أن النهي فرع عما كانت تفعله المرأة المسلمة إذ ذاك من الانتقاب وإسدال البرقع على وجهها، فاقتضى الحكم استثناء ذلك في الحج.
وما رواه مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس أنها لما طلقها زوجها، فبَتّ طلاقَها؛ أمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تعتدّ في بيت أم شريك، ثم أرسل إليها أنّ بيت أم شريك يغشاه أصحابي (أي أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلم)، فاعتدِّي في بيت ابنِ عمك ابنِ أمِّ مكتوم، فإنه ضرير البصر، وإنك إذا وضعت خمارك لم يرك.
والسؤال هنا: ما الداعي لإثارة مثل هذه الأمور فى هذا الوقت بالذات؟
وكان الأولى بالطيب أن يواجه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، والتهجم على ثوابت الإسلام ورموزه، بزعم تجديد الخطاب الديني!!
أضف تعليقك