• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

ما كان تحليلاً أو استنتاجاً، بالأمس، صار حقائق وقرائن اليوم. الانقلاب الذي أحرق مصر، وسفك دمها، وردّها إلى عصور الهمجية، هذا الانقلاب صُنِعَ في جبل علي.

نعم، هذا انقلاب الإمارات (النظام) على الثورة المصرية، هذا انتقام بن زايد، ودحلان، والكيان الصهيوني. الدماء التي سالت في الشوارع جرت برعايتهم، واستجابة لرغباتهم، كل شارع في مصر، وكل بيت، تذوّق بلحهم المر، المسموم، ففقد عزيزاً، شهيداً أم منفياً أم مسجوناً.

تنطق الرسائل المسرّبة من بريد سفير بن زايد في واشنطن بأن عبد الفتاح السيسي ليس إلا موظفاً وضعوه لحراسة انقلابهم في مصر، بينما هم يتولون تسويقه وترويجه وتثبيته، على المستوى الدولي، يديرونه دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً.

كانت أول زيارة خارجية لعبد الفتاح السيسي بعد إسقاطه على كرسي حكم مصر، إلى الإمارات، كانت زيارة الوالي إلى السلطان، لأداء طقوس الولاء وتجديد الطاعة، وتلقي التعليمات، واستجلاب الأرز، فقالت عنها صحف آل زايد في القاهرة ما يلي "واستهل الرئيس ومرافقوه جولتهم بزيارة ضريح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المجاور للجامع حيث قرأوا له الفاتحة، ودعوا له بالرحمة والمغفرة مستذكرين صفاته وقيمه ونهجه الحكيم الذي أسهم في تعزيز ثقافة التسامح والتعايش والسلام بين مختلف شعوب العالم".

كانت الزيارة الأولى إلى المرجعية، بعد التنصيب، تشبه كثيراً زيارات حسن نصر الله وعبد الملك الحوثي إلى طهران وقم، مع الفارق بين المرجعية الروحية ومرجعية البيزنس السياسي والعسكري. منذ خريف العام 2012، بدا واضحاً أن الإمارات صارت تجمع بين منطقة تجارة حرة، تصنع وتصدر في جبل علي ومنطقة سياسة حرة، تصنع انقلابات وثورات مضادة، تحت إشراف أميركي صهيوني في أبو ظبي. في البدء، استقبلت أحمد شفيق، فور الإعلان عن خسارته الانتخابات الرئاسية، ثم استقبلت كل عناصر إنتاج الثورة المضادة في مصر، من سما المصري إلى خالد يوسف، جسراً للتفاوض والتنسيق بين الجنرال شفيق وبارونات جبهة الإنقاذ، مروراً بزيارات شيخ الأزهر وقيادات عسكرية وأمنية.

في الرابع والعشرين من أغسطس/ آب 2012، كانت الإطلالة الأولى للثورة المضادة في مصر، مجموعات هزيلة من أتباع أحمد شفيق وحسني مبارك والمجلس العسكري، وقفوا تحت حراسة الجيش والشرطة عند النصب التذكاري للجندي المجهول، في حي مدينة نصر، يلعنون ثورة يناير ويشتمون الرئيس المنتخب، ويرفعون أعلام الإمارات وصور الجنرالات، ويسبّون قطر وقناة الجزيرة والثوار. بعدها شهرين، ونصف الشهر، وقبل اندلاع أحداث الاتحادية، كتبت "من هو رئيس مصر في 2013" استناداً إلى معلومات قادمة من الإمارات، واستناداً إلى مصادر موثوق بها، وليس رجما بالغيب أو تعسّفا فى قراءة تفاصيل المشهد، قلت "هناك من يعدّون العدة، ويمنون النفس بإحراق هذه المرحلة بكل ما فيها، وهدم المعبد على رؤوس الجميع، لكي تعود مصر إلى ما قبل 25 يناير، وأننا نعيش الآن مرحلة زرع الألغام وتفخيخ الأرض، تمهيدا لانفجار كبير تتم عملية صناعته هذه الأيام، خارج مصر وداخلها،  بحيث لا تأتي الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، إلا وقد انهدم كل شيء، لتعود الغربان تنعق فى طول البلاد وعرضها، وتحتفل بالانتصار". فيما بعد، علمت أن تقريراً مفصلاً بالمخطط موجود في الرئاسة، لتنطلق بعدها "عملية الاتحادية" التي كان بطلها ورمزها أحمد شفيق، وكانت ترمي إلى اقتحام القصر، وعزل الرئيس بالقوة، غير أن هذا لم يتحقّق، وجرى ترحيله إلى صيف 2013. في القمة العربية التي انعقدت في الدوحة، مارس/ آذار 2013 كانت الإمارات قد نجحت في ضم الرياض لمشروع إسقاط نظام محمد مرسي، وقد انعكس ذلك على مناخ القاعة في شيراتون الدوحة، حين تحدّث مرسي محذّراً ما أسماها "الأصابع الصغيرة، الممدودة للعبث بمصر". وفي تلك اللحظة، قرأت قرار التعجيل بالمؤامرة، مطبوعاً على الوجوه الصفراء، داخل القاعة، فامتعض وجه بعضهم، وغادر آخرون الجلسة.

وعقب هذه القمة مباشرة، بدأ تشغيل ورشة الانقلاب بالطاقة القصوى، فزادت معدّلات التدفق على الإمارات، واشتعل وكلاء دحلان وخلفان في القاهرة بالنشاط، ودارت عملية خنق مصر، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، فيما نشطت الأيقونات الثورية، المنتحرة، خارجياً، لحشد المجتمع الدولي خلف الرغبة الإماراتية المحمومة في إسقاط مرسي.

ثم جاءت لحظة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 على مصر، فأعادوها مكسورة العين، خربة الوجدان والبنيان، وأحرقوا نخيلها العالي، ووضعوا في حلقها بلحهم المسمّم. 

أضف تعليقك