• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

الحصار الخليجي دخل أسبوعه الثاني ولا جديد يذكر، دولة قطر تحتفل بعيدها الشعبي "القرنقعوة"، وتوزع الهدايا على الوافدين قبل المواطنين، وتفرد موائد الرحمن وتوزع الإفطار في الطرقات دون أي تغيير، والبنوك ترسل للمقيمين تسهيلات بنكية كالعادة، والرواتب بشهادة موظفيها صُرفت في مواعيدها، وسعر صرف الدولار كما هو من 5 سنوات لم يتغير 3.65، والأعمال مستمرة في مواعيدها والبترول بأسعاره كما هي، والعلاوات للموظفين في مواعيدها.

نعم، هم كذلك، وهذا حال قطر في الأسبوع الثاني للحصار، هذا حال قطر التي أوقفت احتفالها بعيدها القومي السنوي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2016 نصرةً لحصار الشعب السوري ووجهت التبرعات إلى سوريا. 

فعلاً، إن المقيم لم يشعر بأي تغير إلا بتغيير منتجات الألبان من النوعية السعودية إلى النوعية التركية التي تأتي أسعارها أرخص من أسعار المنتجات السعودية، وأعتقد بعد انتهاء الحصار لن يُغلق هذا الخط الجديد من الاستيراد.

لا أعرف حقيقةً كيف لأخ حينما يأتي ليعاتب أخاه فيقطع رقبته ثم ينتظر أن يجلس معه على الطاولة! وأنا أسأل العبقري صاحب تلك الفكرة "هل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟!". 

إن أساسيات التفاوض هي التدرج، وإن السياسة هي فن الممكن والمسموح، ولكن أن يقع الحصار فإذاً لم يتبق أي حوار. وكانت كلمة الشيخ تميم، حاكم دولة قطر، طبيعية وليست بغريبة على كل مسامع العالم حينما قال: "لن أجلس على طاولة قبل رفع الحصار عن قطر".

فلا أعلم حقيقةً هل علم سابقاً من يحاصرون قطر الآن أن غزة ما زالت محاصرة لأعوام وأعوام وتدخل غزة حرباً بعد حرب مع الصهاينة وتخرج منتصرة ولم يتعظوا! إن أساسيات العمل في أي دولة لن تبدأ قبل وقوف مسؤولي تلك الدولة على مواطن القوة والضعف فيها.

ولعلي لاحظت دائماً حينما تتحاور مع مواطن قطري سياسياً فتجد رجل الشارع القطري العادي يعلم أن السعودية تستطيع أن تغلق المنفذ البري على قطر ! وإذا كان رجل الشارع العادي يعلم تلك النقطة فما بالك بمن بنى بلداً من العدم ورسخ علمها بين الكبار وفرض احترام إعلامها على الوطن العربي كله! فما بالكم بمن يخطط يا جهابذ السياسة الخليجية!

الحقيقة، إلى الآن لا أتخيل كيف تخطئ المملكة العربية السعودية الرصينة، التي خلال 100 عام رسخت سياستها الاحتوائية وأنها العاقل بين الخليجيين، لنستيقظ بين يوم وليلة على هذا التصرف الذي يضر المملكة طبعاً وحدها ولا يضر الإمارات والبحرين إلا اقتصادياً!

ولكن الضرر الذي أصاب السعودية لن تمحوه الأيام؛ لأنه دخل كل بيت عن طريق المأكل والمشرب أو عن طريق الأسرة التي تشتت شملها أو الأفراد الذين مُنعوا من زيارة بيت الله الحرام في رمضان وفي الحج.

لن يخرج أحد منتصراً من ذلك الحصار إلا قطر؛ لأنها ليس لديها ما تخسره حتى في 2014 لجأ الملك عبد الله إلى سحب السفراء حتى يتبقى له أوراق ضغط أخرى يستخدمها ولم يحرق كل أوراقه مثلما فعل خلفه، نعم سحب السفراء دون لجوء الإعلام السعودي إلى نقل فبركات على لسان قطر أو الطعن في الأعراض والأنساب الذي لم ينل من أي أحد إلا من مطلقيه. 

إن ما فعلته المملكة العربية السعودية من حصار قطر يذكرني باجتياح صدام حسين دولة الكويت براً حينما أخذ صدام حسين الضوء الأخضر من بوش الأب، حيث كشف للعالم عدوانية نظام صدام حسين، ثم أتى بوش الابن ليكمل ما بدأه بوش الأب ويقنع العرب باجتياح العراق.

وهنا نرى أن الحصار وغلق المعابر والأجواء التي قامت بها السعودية مخالف لاتفاقيات شيكاغو، ومخالف للنظام الأساسي للأمم المتحدة الذي يقضي بعدم جواز فرض حصار على دولة إلا بقرار أممي، وهو ما لم يحدث في تلك الواقعة، وستنتهي تلك الواقعة بأي شكل وفي أي وقت بين الدول الخليجية، ولكنها لن تنتهي بالنسبة لأميركا والغرب، وستُستخدم تلك الواقعة ضد السعودية آجلاً أم عاجلاً؛ لأن المقصود من هذا الحصار لفّ بداية الحبل على رقبة الاشقاء السعوديين.

بالأمس القريب، حاربت الإمارات لعدم تنصيب الملك سلمان حكم المملكة وساندت التويجري، وعلى العكس تماماً ساندت قطر الملك سلمان ثم بتقارب الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد مع محمد بن زايد ليقنع الأخير الأول بأنه يملك الحلول السحرية وخلطتها التي تأتي بالعالم إلى قدميه! فكيف هذا الأخير منذ غياب الشيخ خليفة بن زايد عن الحكم منذ ما يقارب الـ3 سنوات لم يستطع تنصيب نفسه على حكم الإمارات التي تبلغ 1/10 من مساحة السعودية أن ينجح ويساعد غيره!

إن ما يحدث مع قطر الآن من حصار يشابه فعلياً الاختبار الدوري لإنذار الحريق، حيث ظلت قطر منذ قيامها تحتفظ بحد أدنى من أقرانها في الخليج بعلاقات مع إيران تحسباً لمحاصرتها يوماً كهذا، وجاء يوم اختبار حقيقي، وإلى الآن هي ناجحة فيه، والتجربة تؤكد تطابق التجربة مع الواقع.

كما جاءت تلك التجربة لتجيب المواطن القطري، الذي طالما سأل: لماذا لا نراضي السعودية التي تربطنا بها دم وأخوة ودين وعرق ونقطع علاقتنا مع إيران؟ وهو ما أتى جوابه فعلياً للمواطن القطري مع الحصار السعودي على قطر، حيث إن قطع منفذ "سلوى"، المنفذ البري الوحيد لقطر، حولها من شبه جزيرة إلى جزيرة فعلياً ولا يمكن لها إلا أن تستخدم البحر لسد احتياجاتها.

وبهذا، يكون قد علم المواطن القطري أن سلطته كانت رشيدة محنَّكة سياسياً؛ فلو كانت رضخت قطر لقطع العلاقات مع إيران وتمت الآن قطع العلاقات البرية مع السعودية- لأصبحت قطر معزولة جوياً وبرياً وبحرياً، وهذا يُحسب لقطر قيادةً وحكومةً.

كما أن الاستفادة الكبرى من تلك الأزمة هي انكشاف من يدّعي الأخوة أمام الشعب القطري، الذي يُعتبر أكثر شعوب الخليج امتيازاً بالسلام الإجتماعي والهدوء النفسي، ولا تحسب -عزيزي القارئ- أن هذه الميزة قد أتت من صغر مساحة دولة قطر وقلة عدد سكانها.

فالدوحة تعتبر نسبة إلى مساحتها مزدحمة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تبلغ الكثافة السكانية فيها 54 فرداً لكل كم مربع، بينما الدوحة تبلغ الكثافة السكانية 74 فرداً لكل كم مربع أو بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تبلغ كثافتها السكانية 12 فرداً لكل كم مربع.

ولكن هذا السِّلم يأتي لاتفاق الشعب والقيادة في الحفاظ على الأصول التي نشأوا عليها ورعاية القبلية وتنميتها، ولعل كل يوم يمر على قطر تحت الحصار هو بمثابة نجاح لقطر؛ ومن ثم فهو فشل زريع لحلف الحصار.

كما أنه فعلياً أكثر ولاية ستتأثر من هذا الحصار هي دبي؛ لأن دبي في أقصى الظروف كانت تنأى وتبعد عن أي استقطابات سياسية وتروج نفسها في العالم على أنها بلد الانفتاح الاستثماري ومع تلك الأزمة وضح جلياً للعالم أن دبي ما هي إلا سوق محلية تتحكم السياسة فيه وتابع كلياً لإمارة أبوظبي.

وحتى تعيد تلك الثقة مرة أخرى للمستثمر، أعتقد أنها ستمر بما مرت به في أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008 وتسببت في نقل ملكية برج خليفة بدبي إلى أبوظبي نظير انتشالها من الأزمة المالية العالمية. 

أما باقي الدول المقاطعة، فلا داعي لذكرهما؛ حيث إن الاثنين يأتمران بأوامر محمد بن زايد ولا ينفصلان عن جيبه.

أضف تعليقك