الحمد لله رب العالمين … يقبل العمل من عبادة الصالحين فقال تعالي ({إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27). فنحمده تعالي علي نعمة الإسلام العظيم وكفي بها نعمه ونشكره أن هدانا للقرآن العظيم ولولاه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .. وصف عباده المؤمنين بالوجل الشديد بعد إتيانهم العمل الصالح مخافة عدم القبول فقال تعالي (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] . وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم كان مداوما حريصا علي قبول الأعمال ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه. فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعــــد:فيا أيها المؤمنون …..
هاهو رمضان قد فارقنا بعد أن حل ضيفا عزيزا غاليا علينا لمدة شهر كامل ، ولكن هل تركنا رمضان وهو راض عنا، أم رحل وهو يبكي حسرة علينا وعلى أحوالنا،
فحتى لا يضيع منا رمضان مثل كل عام ويكون مجرد لحظات جميلة نقضيها على مدى شهر ثمَّ بعدها ينتهي الأمر،
أيها المسلمون : إن شهر رمضان قد قوض خيامه وفك أطنابه وقد أودعناه ما شاء الله أن نودع من الأعمال والأفعال والأقوال حسنِها وسيئِها صالِحها وطالِحها والأيامُ خزائنُ حافظةٌ لأعمالكم، تُدعَون بها يوم القيامة (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا) [آل عمران:30]، ينادي ربكم: ” يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه ” رواه مسلم. وجب علينا أن نقف وقفة محاسبة ومُعاتبة مع النفس، ونضع خطة إيمانية لكي نستمر على الطاعات بعد رمضان، ونري حالنا بعد رمضان ويكون هذا حديثنا اليوم بمشيئة الله تعالي وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ أحوال الناس بعد رمضان .
2ـ هل قبل منا رمضان أم لا ؟
3ـ علامات القبول .
4ـ وسائل تعين علي الثبات علي الطاعة .
5ـ ثمرات الثبات علي الطاعة .
6ـ الخاتمة .
العنصر الأول: أحوال الناس بعد رمضان:ـ
لقد انقضى رمضان ، وانقسم الناس بعده إلى ثلاثة أحوال:ـ
الحال الأول :ـ
قوم كانوا على خير وطاعة ، فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم ، وضاعفوا من جهدهم ، وجعلوا رمضان غنيمة ربانية ، و منحة إلاهية ، استكثروا من الخيرات ، و تعرضوا للرحمات ، وتداركوا ما فات ، فما انقضى رمضان إلا و قد علت رتبهم عند الرحمن ، وارتفعت درجاتهم في الجنات، وابتعدت ذواتهم عن النيران .نسأل الله تعالي أن يجعلنا منهم.
الحال الثاني :
قوم كانوا قبل رمضان في إعراض وغفلة، فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة والعبادة ، صاموا و قاموا ، قرءوا القرآن و تصدقوا ، ودَمَعت عيونهم و خشعت قلوبهم ، ولكن ، ما إن ولى رمضان حتى عادوا إلى ما كانوا عليه ،عادوا إلى غفلتهم ، عادوا إلى ذنوبهم .
فلهؤلاء نقول: من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات ، و من كان يعبد الله فان الله حي لا يموت .
أخي المسلم الحبيب … يا من عدت إلى ذنوبك و معاصيك ، اعلم أن الذي أمرك بالعبادة في رمضان هو الذي أمرك بها في غير رمضان ..
كيف تعود إلى المعاصي و قد محاها الله من صحيفتك؟
أيُعتِقُك الله من النار فتعودُ إليها ؟
أيبيضُ الله صحيفتك من الأوزار و أنت تسوِّدُها ؟
ويا من صام لسانه في رمضان عن الغيبة والنميمة والكذب ، واصل مسيرتك وجدّ في الطلب.. يا من صامت عينه في رمضان عن النظر المحرم.. غضَّ طرفك ما بقيت.. يورثِ الله قلبَك حلاوة الإيمان ما حييت .
يامن كنت تصوم مع الصائمين ، وتقوم مع القائمين ، إياك أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ..
وتذكر أخي المسلم قول الله تعالي ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فغيِّر من حالك ، وتب من ذنوبك ، وأقبل على ربك ، فإنك والله لا تدري متى تموت ، لا تدري متى تغادر هذه الدنيا . فما أقبح القطيعة بعد الوصال ! وما أقبح الهجر بعد الود!
الحال الثالث :
قوم دخل رمضان و خرج رمضان ، وحالهم كحالهم ، لم يتغير منهم شيء ، ولم يتبدل فيهم أمر ، بل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، واسودت صحائفهم .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ورَغِمَ أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) رواه الترمذي وصححه الألباني .
أولئك هم الخاسرون حقا . وليس أمامهم إلا التوبةُ إلى ربهم ، و تداركُ ما بقي من أعمارهم .
قال الحسن البصري رحمه الله : ( إن الله جعل رمضان مِضماراً لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا . فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون ) .
العنصر الثاني: هل قبل منا رمضان أم لا ؟
نحمد الله تعالي أن وفقنا لبلوغ رمضان وصيامه وقيامه، ولكن لا نغتر بعبادتنا .. فمن المقبول منا فنهنئه ، و من المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئاً لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك .
كان حال الصالحين عند وداع رمضان في خوف ودعاء ، خوف من رد العمل ، ودعاء بالقبول من ذي الجود والكرم ، يقول المولى عز وجل
أضف تعليقك