قبل ثلاثة أعوام، استكثر عبد الفتاح السيسي على خالق الكون أن يمارس ألوهيته على عباده وخلقه، لكن السيسي لا يقبل، ولا يتسامح مع مخلوق على الأرض يعترض على حكمه، أو يرفض مساخره ومهازله في التسلط والاستبداد.
في احتفال ليلة القدر قبل ثلاث سنوات، تحدّث الجنرال المنتفخ جهلا وسطحيةً أمام حشد من علماء الأزهر، قائلاً "يعني ربنا هيعذب بشر يوم القيامة عشان لم يؤمنوا به؟ لا دي حاجة صعبة قوي".
يصادر السيسي حقّ الله في عقاب من لم يؤمنوا به، لكنه لا يرى غضاضةً في تعذيب من يرفضون حكمه وفشله وطغيانه، وتدميره أمة كاملة.
يلتمس السيسي العذر لمن يلحدون بالله "شباب كثير ألحدوا بس ما سابوش الإسلام"، لكنه لا يتسامح، ألبتة، بمن يشتبه في إلحادهم بفشله وإدارته المشينة لشؤون البلاد، فالملحدون بالزعيم بالضرورة تجرّدوا من الوطنية، وانسلخوا عن الوطن.
لا يسمح السيسي لله بتعذيب البشر، لكنه يسمح لنفسه بممارسة كل أنواع التعذيب والتنكيل بمعارضيه، أو الذين لا يمنحونه الولاء الكامل، مثل الناشط الشاب محمد عادل، الذي اعتقلته شرطة السيسي أمس، بينما هو في حوزة قسم الشرطة، لتسجل إنجازاً فريداً في تاريخ الأمن بأن تختطف الشرطة مواطناً في قبضة الشرطة.
والقصة أن الناشط في حركة شباب 6 أبريل قضى عقوبته كاملةً في سجون السيسي منذ عدة أشهر، وخضع بعدها لمراقبةٍ من الأمن، فرضت عليه أن يسلم نفسه لقسم الشرطة كل ليلة ليبيت فيه، وبينما هو خارجٌ من مبيته اليومي، ألقت الشرطة القبض عليه، وأحالته إلى النيابة التي حققت معه بتهمة السخرية من قرارات النظام الساخرة.
الأمر هنا يشبه توقيع عقوبةٍ على مُشاهدٍ ضبط متلبساً بالضحك في مسرح عادل إمام، مثلاً، ذلك أن مساخر الممارسات السياسية لنظام السيسي تفوق في قدرتها على الإضحاك كل إنتاج المسرح الكوميدي في العالم، إذ يبدو وكأن السلطة ألغت الدعم على كل احتياجات المواطن الأساسية، وقرّرت دعم المسخرة السياسية والاجتماعية الدائرة في مصر، بشكلٍ لا نهائي.
تمتد ألسنة المسخرة السيسية، لتطال حواضنها الخليجية، بحيث تبدو دبلوماسية الدول التي تفرض الحصار على قطر، قريبة الشبه للغاية من اللامعقول السياسي والإعلامي الناشع في مصر، لتجري عبارات كوميديا أهل الشر السيسية على لسان وزير خارجية الإمارات، وهو يتحدّث ببراءة، وركاكة، عن أن قطر لا ترسم البسمة على وحوه الناس، فيفجر موجاتٍ من السخرية اللاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، يتفوّق بها على زملائه في فرقة رباعي أضواء المسرح السياسي العربي.
مؤسفٌ حقاً أن ينحدر مستوى الدبلوماسية العربية الرسمية إلى ما تحت خط التوك شو المبتذل، مدشناً مرحلة "ما بعد العكاشة" التي تدفع المتابعين إلى الترحم على تلك الأيام التي كان فيها"الجنرال توفيق" يصول ويجول فرق الشاشة، بكل انفلاتٍ، غير أنه بالقياس إلى ما يقدّمه إعلام المسخرة السياسية هذه الأيام، كان أكثر معقوليةً في إسفافه.
تابع ما تنتجه الدوائر الدبلوماسية والإعلامية في رباعي الحصار على قطر، ستشعر وكأنهم يغترفون من مستنقعات البرامج الليلية في إعلام السيسي، أو أن صلاحيات "عباس" توسعت لتشمل كل المنابر السياسية والصحافية لعرب الحصار.
قلت سابقا إن اللامعقول واللاإنساني الذي تعيشه مصر مع السيسي لا يختلف عمّا عاشته مع الحاكم بأمر الله، وغالباً ما يبدأ اللامعقول صغيراً، ثم يتضخّم ويتحوّل إلى محيطٍ هادرٍ من الجنون. وأذكر أنه حين أعلنت سلطات عبد الفتاح السيسي القبض على طالبٍ جامعي، بتهمة حيازة نسخة من رواية 1984 للكاتب جورج أورويل، اعتبر كثيرون ذلك هو اللامعقول، غير أني توقّعت ما هو أبعد، وتساءلت: متى يحرّم السيسي أكل الملوخية، كما فعل الحاكم بأمر الله لكن السيسي يتفوق الآن بفرض جمارك على الجوارب والملابس الداخلية، وربما معجون الأسنان، على كل مسافر يقصد مصر.
كلاهما، السيسي والحاكم بأمر الله، بدأ معتبراً نفسه حكيماً فيلسوفاً، وانتهى به الأمر مدّعياً النبوّة والألوهية، وكما لم يبخل الزمن على الحاكم بأمر الله بمثقفين يُغرقونه بمدائح خارقةٍ حدود العقل والنقل معاً، لا تخلو مصر، الآن، من فقهاء وشعراء سلاطين يفعلون الشيء نفسه مع السيسي، ويصدرون بضاعتهم إلى حكام الدول الراعية لمسخرة حضارية تدور في مصر، وتلقى منهم كل الدعم والإسناد.
أضف تعليقك