سعى محافظ البنك المركزي المصري منذ إعلان توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2015 لزيادة سعر الفائدة، كوسيلة لتشجيع المصريين لتحويل ما لديهم من دولارات للجنيه المصري، ليعوض النقص بالعملات الأجنبية بالجهاز المصرفي .
فقد قام البنك المركزي بإصدار شهادات إيداع بفائدة 12.5%، والتي كانت فائدتها تزيد عن الأوعية المماثلة بالبنوك بحوالي 3%، كما اتجه لرفع فائدة شهادة الاستثمار، لكن غالب حصيلة تلك الشهادات كانت عبارة عن تحويل المودعين أرصدتهم من الأوعية القديمة الأقل فائدة الى الشهادات الجديدة.
وقام برفع الفائدة بالبنك المركزي بنسبة نصف بالمائة ، ثم تلاها بإصدار شهادة "بلادي" الدولارية بفائدة تزيد عن معدل الفائدة السائد بالسوق وقتها ورفع فائدة الشهادات الدولارية القديمة بالبنوك العامة.
ومع الخفض الجزئي لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي في مارس/آذار 2016 بنسبة 14% ، أصدر البنك شهادات إيداع بالجنيه المصري بفائدة 15% بشرط تنازل المودعين عن العملات الأجنبية الموجودة لديهم، لكنه هذه الخطوة لم تنجح فى تحقيق الحصيلة المطلوبة واستمر نقص العملات الأجنبية بالبنوك.
ورفع البنك المركزي الفائدة للمرة الثانية بنسبة 1.5 % في مارس/آذار 2016 لجذب مشتريات أجنبية لأدوات الدين الحكومي تعزز من الأرصدة الدولارية بالبنك المركزى، وأعقب ذلك رفع ثالث للفائدة على الجنيه بنسبة 1% فى يونيو/حزيران، لكن مشتريات الأجانب من أذون وسندات الخزانة المصرية كانت ضئيلة.
الفائدة المرتفعة جذبت الأجانب
وفشلت سياسة محافظ البنك المركزي برفع الفائدة ثلاث مرات، والخفض لسعر صرف الجنيه واستمرت تعاملات السوق السوداء بالدولار، وتوجه المستوردون للسوق السوداء لتدبير احتياجاتهم من العملات الأجنبية التي تباطأت البنوك في تدبيرها.
وفى ضوء فشل الإجراءات البوليسية التي تم اتخاذها مع المتعاملين بالعملات الأجنبية خارج البنوك، لجأ المحافظ الى الملاذ الأخير وهو إعلان تعويم سعر صرف الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتنخفض قيمة الجنيه إلى النصف أمام الدولار الأمريكي.
وعزز ذلك برفع سعر الفائدة بالبنوك للمرة الرابعة بنسبة 3%، ولقى ذلك استحسانا من الأجانب الذين يجدون أسعار الفائدة القصيرة في بلدانهم إما سلبية العائد أو ضعيفة الفائدة، فبدأت مشترياتهم من أدوات الدين المصري تتزايد، وتوافق ذلك مع إعلان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 12 مليار دولار ، والاقتراض من البنك الدولي والبنك الأفريقي وبعض الصناديق الإقليمية وطرح سندات بالأسواق الدولية.
وأدت هذه الخطوات إلى زيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية، الأمر الذى استغله المحافظ إعلاميا، رغم اعتماده على القروض والاستثمارات قصيرة الأجل في أدوات الدين المصري، مما تسبب في تصاعد وتيرة الدين الخارجي حتى بلغ 67 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
ونظرا لتسبب خفض الدعم عن المنتجات البترولية، إلى جانب تعويم الجنيه، في تحقيق معدلات تضخم غير مسبوقة طوال العقود الثلاثة الماضية، تخطى خلالها نسبة الـ30 رسميا، فقد لجأ المحافظ مرة خامسة لزيادة سعر الفائدة بالبنك المركزي بنسبة 2%، ما أثار امتعاض المستثمرين، باعتبار أنه يعالج التضخم بالتضخم.
فالتضخم المصري ناتج من زيادة التكلفة للسلع وليس من زيادة الطلب، فهو ركود تضخمي، وبالتالي فإن رفع الفائدة يرفع التكلفة على المنتجين والذين سيضيفون تلك التكلفة على منتجاتهم مما يزيد التضخم من جديد، كما يزيد من تكلفة فوائد الدين الحكومي.
رفع الفائدة يعمق الركود
وفى ضوء رفع أسعار المنتجات البترولية للمرة الثالثة خلال 4 سنوات منذ الانقلاب العسكري، وما واكبه من رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من أول يوليو/تموز الحالي، وما تبعه من زيادة لأسعار الكهرباء للاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية بنسب عالية، لجأ المحافظ للمرة السادسة لرفع الفائدة بنسبة 2%، ليصبح مجموع الزيادات التى قام بها خلال عشرين شهرا منذ توليه منصبه هو 10%.
وتأتي هذه الخطوات رغم تحذير الكثير من الخبراء من أن ذلك يزيد من ركود السوق ويحول بين الشركات وبين الاقتراض مما يزيد من البطالة، ويدفع بعضهم لإيداع أموالهم بالبنوك والحصول على عائد مرتفع بدلا من تحمل مخاطر الاستثمار ، وهو ما يؤثر سلبا على معدلات النمو، كما يحول دون اقتراض الأفراد بعد بلوغ الفائدة بالبنوك حوالى 24 % قبل الزيادة الأخيرة.
كما لا تشجع هذه الزيادات في الفائدة على الإيداع في ضوء زيادة التضخم لأكثر من 30% خلال الشهور الماضية، وتوقع رئيس الوزراء زيادة التضخم بنسبة 5% نتيجة الزيادات الأخيرة بأسعار المنتجات البترولية والكهرباء، وهى الزيادة التي رفعتها وزيرة التخطيط إلى 7%، وبالتالي فإن الفائدة ستظل سلبية مما دفع كثيرين للاستثمار بالعقار وشراء السلع.
ورغم تحذير الخبراء من رفع الفائدة سواء في مايو/أيار الماضي أو الأسبوع الماضي، وآثاره السلبية فقد رفع البنك المركزي الفائدة بنسبة 2 % في المرتين، وبما يشير الى أنه يستهدف مشتريات الأجانب لأدوات الدين المصري، للحفاظ على رقم الاحتياطي الذى يواجه وجود التزامات حكومية موقوتة بالعام المالي الحالي والقادم تبلغ حوالى 14 مليار دولار.
إضافة الى هذا فإن مشتريات الأجانب الحالية من أذون وسندات الخزانة، والتي بلغت نحو 10 مليارات دولار، سينتهى أجلها بنهاية العام الحالي، ولابد له من مشتريات جديدة لتعويض خروج المشترين الحاليين ولسداد الالتزامات الحكومية، ولو على حساب الاستثمار المحلى والأجنبي وزيادة عجز الموازنة وتعميق الركود بالأسواق وبقاء التضخم مرتفعا.
أضف تعليقك