• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانيتين

همست في حزن دون أن يبدو علي أية بادرة من بوادر الخوف: "إنها الميراج"

  • "ماذا تعني؟"
  • "طائرة ؟؟"
  • "إنها تنطلق بسرعة مذهلة، وتسير كأنما يوجهها أحد.. إنها لا تمضي ذاتيا.. أم تراها مخلوق غريب ظهر في عصركم؟ ثم ماذا تعني بكلمة طائرة؟

قلت خافض الرأس حزينا: "آلة صنعها الإنسان من حديد ومعادن شتى، تسير بوقود من البترول،

تنطلق في الجو عاصفة .. تقذف بالنار والموت والرعب .. لا قلب لها .. تسرق النصر، تنفث الذل أو الفناء في صفوف الأعداء..

وتمنح المجد والسيطرة لأصحابها .. هي الوفاء الأعمى .. تهد الجبال وتدمر المنازل وتشعل الحرائق .. صنعها الإنسان .."

هز رأسه دهشا: "لله في خلقه شئون"

  • ليست من مخلوقات الله يا أمير المؤمنين .."

ابتسم عمر في يقين وقال: "الإنسان يشكل الحديد ولا يخلقه، وفرق شاسع بين من يخلق المادة من العدم ومن يتحايل بأنامله وتفكيره ويعطي المادة شكلا أي شكل"

نظرت إليه في إكبار وقد شدتني كلماته البسيطة الصادقة وقلت: "هذا حق"

ثم شرحت له ما أقصده بكلمة حزيران والنكبة والسيارة فرد في يقظة: "وأمريكا؟

  • "أقوى وأغنى دولة في عالم اليوم يا أمير المؤمنين"
  • "لكني كنت في الزمن القديم أعرف شتى أنحاء المعمورة ولم أسمع بهذا الاسم قط .."
  • "يا خليفة رسول الله، لقد كانت مجهولة في عصركم، كانت تختبئ خلف المحيطات الشاسعة وبحار الظلمات، معزولة متخلفة، بهنودها الحمر، ثم اكتشفت منذ قرون قليلة، فهاجر إليها كثير من البشر وسكنوها وعمروها.. واليوم أمريكا سيدة العالم.."

قال: "أهي من أمة الإسلام؟"

  • "بل عدوه الأول يا أمير المؤمنين"

تقطب جبين عمر وطافت مسحة حزن على جبينه المشع، وقال: "وكيف تهابون دولة مهما كان شأنها؟!

لقد تركناكم  وألوية الحق تخفق فوق العالم المعمور، وكان إيمانكم أقوى من الدنيا، وسيوفكم لا يقهرها باطل .. "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ألا تقرءون القرآن؟"

قلت في أسى عميق: "كل شيء تغير، أصبح الرجال غير الرجال .. والمبادئ/ ومال ميزان القوة، وأصبح المسلمون مستعبدين .. وفقد كل شيء إلا الأمل .."

ضرب كفا بكف، واكفهر وجهه هذه المرة، وقال : "أنتم لا تعرفون الله .. إن تنصروا الله ينصركم قول لا يتبدل .. لأنها كلمات الحق الأعلى  ..

لم أكن أتصور ما حدث أيهزمكم اليهود؟ لو قال قائل في زماننا إن اليهود فتحوا مدينة من مدن الإسلام في أيامي لاستلقى الناس على أقفيتهم من الضحك..

إن في الأمر سرا لا يبدو للعيان .. عسير علي أن أهضم هذه الأمور، لكنكم صانعو المأساة .. ولا شيء غير ذلك .."

ثم التفت إلي والعرق الغزير يتقاطر على جبهته ولحيته: "هيا إلى بيت المقدس"

  • "والهوية؟"
  • لا شأن لك بذلك"
  • "إني أخاف عليك"
  • "وأنا لا أخاف إلا الله .."

ونظر إلى بعيد، حيث تقبع المدينة الخالدة بمبانيها ومآذنها وقبابها وأعمدة من الدخان الأسود والأبيض تهرع إلى الأفق،

وانحدر مرفوع الرأس صوب الطريق العام وأنا إلى جواره، وأخذ يغذ السير دون أن يبدو عليه إجهاد أو تردد، وعديد من الطائرات يشق الأفق، وعشرات السيارات الصغيرة والكبيرة تمرق مسرعة ،

وهو يتابع تلك الحركة وضجيجها بنظراته المستغربة، وتمتم: "يبدو أنه ليس وراء عالكم سوى صناعة الحديد"

  • "أصبح الحديد هو الوسيلة لكل شيء"
  • "لا بأس كان السيف من الحديد"

ثم استطرد بعد برهة: "لكن المسلم كان أقوى من الحديد بإيمانه"

تأليف: الأديب الكبير نجيب الكيلاني

كتبها: موقع الشرقية أون لاين

 

أضف تعليقك