أخذت أهز رأسي وأقول: "نحن في حاجة إلى نبي جديد"
صاح محتدا: "اصمت وإلا قطعت لسانك .. كلماتك تنضح بالكفر والغباء .. ألا تعلم أن رسول الله خاتم النبيين، وأنه لا شيء غير القرآن .. تلك دعارة فكر لا تقل غرابة عما رأيته بين الفتى والفتاة! تبذلون الكلمات بسخاء أبله .. نبي جديد .. يا للمهزلة لما تقول!! الكلمة الأخيرة كانت وستظل تتردد في أرجاء الدنيا برغم ما تعانون من خيبة وفشل.. لست أول جيل يجيء ولا آخر جيل .. الآن عرفت سبب انتصار اليهود عليكم ونشرهم الفجور بين ظهرانيكم. الخوف يلد الرذيلة والهزيمة تمسخ ضعفاء الإيمان .. أنتم جياع برغم رصيدكم الضخم من الزاد .. تدقون الأبواب الصلدة في بله ولو بحثتم عن المفاتيح لتفتح أمامكم باب النعيم الأبدي ..."
"كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول"
اسمع يا فتى .. إن من يتعود التقاط الفتات من موائد الأغنياء تسحره كلماتهم وفكرهم وسلوكهم، ويحاول أن يقلدهم "وفي التقليد الأعمى فناء العقل والروح .. هكذا يتحول السادة إلى عبيد .. وإذا أردت أن تعرف كيف يصبح العبيد سادة فتذكر قصة أخي بلال بن رباح .. لقد سخر من نتن الفكر لدى أساطين الكفر في مكة .. ضربوه .. عذبوه .. لكنه لم ينحن ليلتقط الفتات .. أتفهمني؟"
قلت مطأطئ الرأس: "أجل .."
فقال: "فلنمض في طريقنا .."
وأمسك بيدي وسرنا صوب المدينة، كان يرتجف غضبا ودهشة ويحث الخطى مسرعا، وسيما الحنق والتوتر تصبغ حركاته وترتسم على ملامح وجهه، وعند مدخل المدينة كانت توجد نقطة حراسة إسرائيلية وقدم نحونا جندي يحمل مدفعا رشاشا وقام بلكنة عربية عرجاء: "الهوية"
أبرزت هويتي فتصفحها بدقة ثم ركز نظراته على وجهي بعض الوقت وهز رأسه ثم قذف بها إلي في استهتار وتحد، وبعد ذلك اتجه صوب أمير المؤمنين، وأنا أرتجف من الخوف ماذا سيفعل؟ وكيف سيواجه عمر هذا الموقف الشائك؟ وتصورت القصة التي تحدث دائما، لسوف يسوقونه إلى مقر رجال الأمن لعمل التحريات اللازمة وربما يلقون به في معتقل من المعتقلات الكثيرة أو يحكموا عليه بالسجن لبضعة شهور، لماذا لم أتدبر الأمر كما يجب؟ ألم يكن باستطاعتي أن أزيف له هوية؟ وكيف أقف مكتوف الأيدي أمام هذا المشهد: جندي أرعن يتعرض لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدل من حكم الأمة وأقوى من ساس الأمر بعد الرسول، وقاهر الفرس والروم وباعث نور الرسالة الإلهية في المشرق والمغرب أية مهزلة توشك أن تحدث؟
- "وأنت .. أين هويتك؟"
- "بلا هوية .. أنا معروف .. لا بد أن أمر .."
قالها عمر وهو يرصد الجندي بنظرات قاهرة لا تقاوم .. تراجع الجندي بضع خطوات للوراء، ودارت بي الأرض، لسوف ينطلق المدفع الرشاش، ويحيل الخليفة إلى أشلاء ودماء في لحظات، وآلات العصر الجهنمية يا أمير المؤمنين لا تفرق بين الأطهار والأشرار ولا تميز المؤمنين من الكافرين .. إنه عصر الملحدين والرافضين.. فلأنقض على الجندي كي أمنعه من ارتكاب الإثم الأكبر .. وفتحت عيني لأرى عمر يمضي في طريقه مرفوع الرأس، والجندي يعود إلى خيمته دون اعتراض. لماذا مضت الأمور على هذا النسق الغريب؟! لا أدري ..
ولم نكد نبتعد بضع خطوات حتى سمعت نداء وصياحا خلفنا فالتفت فإذا بسيارة وبها عدد قليل من رجال الشرطة وبها "إيلي" وفتاته، العاشقان اللذان كانا يتساقيان كئوس الهوى تحت الشجرة.
وقالت الفتاة وهي تشير بسبابتها المخضبة صوب عمر: "إنه هو .. هذا الشيخ الرجعي وأمثاله لا يعرفون أصول اللياقة والأدب .."
تأليف الأديب الكبير: نجيب الكيلاني
كتبها: موقع الشرقية أون لاين
أضف تعليقك