عاد أحمد أويحيى إلى رئاسة الحكومة الجزائرية للمرة الرابعة، إذ يقول عن نفسه بهذا الشأن إنه يعرف طريق الذهاب والعودة، ولا يحرجه تعيينه وإقالته وإعادة استدعائه في كل مرة، سواء في منصب رئيس للحكومة أو وزيرا للعدل أو رئيسا للديوان الرئاسي، ويعتبر نفسه "خادم الدولة" الذي يضع نفسه دائما طوع إرادتها، مهما كانت طبيعة الطرف الذي يمسك بمقاليد الحكم والدولة.
قبل مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كان أحمد أويحيى قد تصدر المشهد السياسي لسنوات بعد رئاسته للحكومة في الفترة بين 1995 والانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو 1997، كان أويحيى قد ترأس حكومة "أزمة" في وضع ساخن، كانت تشهد فيه الجزائر حمام دم ومواجهات ساخنة بين الجيش والمجموعات المسلحة، قبل أن توكل له السلطة مهمة قيادة الحزب الثاني للسلطة، الذي تأسس في فبراير 1997، وفاز في الانتخابات التي جرت بعد ذلك بأقل من أربعة أشهر، وشهدت تزويراً شاملاً.
لم يترك رئيس الحكومة الجديد رصيدا سياسيا في تلك الفترة، لكنه خلف وراءه الآلاف من الكوادر المديرة للشركات والمؤسسات العمومية خلف القضبان، في حملة وصفت بحملة الأيادي البيضاء بزعم محاربة الفساد، تبين لاحقا أن عددا كبيرا من هذه الكوادر راحت ضحية تصفية حسابات سياسية، ورهن خطة كانت تستهدف إعلان إفلاس المصانع والمؤسسات الحكومية تمهيدا لخصخصتها، برسم تنفيذ سياسات واشتراطات صندوق النقد الدولي، وأدت إلى تسريح الآلاف من العمال من مناصبهم.
وبعد تسلم بوتفليقة الحكم عام 1999، ظل أويحيى في الجوار السياسي كقائد للحزب، الذي يمثل الضلع الثالث في التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة، لكنه ظل يلعب دور"الإطفائي" الذي يستدعى للحاجة إليه في كل مرة، دون أن يكل من ذلك.
في نهاية عام 2003 صعد إلى رئاسة الحكومة، في مناخ أزمة متصاعدة بين رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام حينها لحزب جبهة التحرير الوطني علي بن فليس، بسبب تمرد هذا الأخير وطموحه للرئاسة في الانتخابات التي جرت في إبريل 2004، وواجه فيها بن فليس بوتفليقة.
كان حينها أويحيى يشغل منصب وزير للعدل، وجرت في عهده أكبر موجة حرائق في السجون، وظل أويحيى رئيسا للحكومة حتى منتصف عام 2005، حيث أقاله بوتفليقة وعين خلفاً له عبد العزيز بلخادم، كوجه مقرب من الإسلاميين، ليكون أكثر صلاحية لتسويق خيار المصالحة الوطنية من أويحيى، الذي يحسب على التيار الاستئصالي، وله عداوة كبيرة مع الإسلاميين.
لكن أويحيى استدعي مجددا لقيادة الحكومة عام 2008، في ظل أزمة حادة داخل الحزب الحاكم "جبهة التحرير"، الذي كان يقوده بلخادم، إلى نهاية سبتمبر 2012، إذ أقيل من منصبه، وعين لاحقا كرئيس للديوان الرئاسي، ليعود في 15 أغسطس 2017، في ظل غضب رئاسي من أزمة الحكومة والكارتل المالي.
في أكثر من حوار أو مؤتمر صحفي لا يجد أويحيى، وهو الأمازيغي الذي لا يتبنى الدفاع عن الهوية الأمازيغية، حرجا من وصفه برجل "المهمات القذرة "، يعتبر أن هذا الوصف لا يقلقه إذا كان المقصود به مهمات دولة نفذها في إطار الخيارات الصعبة التي فرضت على الجزائر، خاصة على الصعيد السياسي.
ويظهر أويحيى قدرا كبيرا من التجاهل للانتقادات الموجهة إليه، لسياساته ومواقفه من جهة، ولمساره السياسي المنضبط مع الدولة في كل المواقف والخيارات من جهة أخرى، ومنحه ذلك صورة رجل الدولة المنضبط.
كما أدخله ذلك ضمن قائمة متقدمة من المرشحين المحتملين لخلافة الرئيس بوتفليقة، برغم أنه لم يعلن مطلقا عن أي طموح له للرئاسة، وحافظ على قدر كبير من تجنب طرح نفسه في ظل وجود بوتفليقة في الحكم، لتجنب حساسية هذا الأخير من جهة، وتلافي مصير رؤساء الحكومة السابقين، علي بن فليس وعبد العزيز بلخادم، اللذين دفعهما التسرع السياسي إلى الوقوع في " المحظور السياسي"، والإجهار بالرغبة في استخلاف بوتفليقة، لكنه حالما يسأل عن ترشحه للرئاسة، يرد بتركها للقدر يقول "إنها لقاء سياسي بقدره".
ويحسب أويحيى على تيار الاستئصاليين الذي يتبنى العداوة السياسية مع الإسلاميين والتيارات المحافظة، لكنه أجبر على العمل مع وزراء من إخوان الجزائر كوزير أو كرئيس للحكومة، يناوش أويحيى قوى المعارضة السياسية بشكل حاد، وينظر إليه في الجزائر على أنه مقرب من المصالح الفرنسية.
كما يشتبه في علاقته بدوائر رجال المال والأعمال ودفاعه عنهم، بسب توجهاته الليبرالية التي تخيف الرأي العام في الجزائر، خاصة وأنه يوصف لدى الجزائريين بـ"صاحب الياغورت"، بسبب تصريح أطلقه قبل خمس سنوات في تجمع انتخابي، قال فيه إنه "ليس من الضرورة أن يأكل الجزائريون "الياغورت".
أضف تعليقك