• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

بدت كل الأطراف متطرفة في التعامل مع خبر وفاة الدكتور "رفعت السعيد"، السياسي المصري المعروف، فقد غاب العقل وحضرت العاطفة الجياشة!

 

ففي مواجهة من شمت في وفاته على أساس أن مشروعه قام على العداء للإسلام، هناك من طالبوا بذكر محاسنه، والتجاوز تماما عن أخطائه، لأن أمر الميت، موكول إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، وليس لأحد من «أهل الدنيا»، أن يقيّم أعمال أحد من أهل الآخرة. ويلاحظ هنا أن التعامل كان «دينيا صرفا». أما التطرف السياسي، فتمثل في الادعاء بأن «الفقيد» كان نارا على الإخوان، لم تهدأ، ولم تنطفئ، إلى حد أن كاتبا معروفا كتب أن «المناضل الجسور» لم يزر مكتب الإرشاد، ولم يتقرب إلى الإخوان!

 

أول كتاب قرأته للدكتور «رفعت السعيد» كان عن الشيخ حسن البنا، المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين، ولأنه لم يكن قد دخل بعد في دائرة «التشاحن السياسي»، فقد جاء الكتاب رصينا، وإن كان عرض الأحداث التاريخية، وفسرها بطريقته.

 

كتب رفعت السعيد كتابه عن البنا، في مرحلة لم يكن فيها النظام الحاكم في عداء مع الجماعة، ولم يكن غريبا أن تنشر مقالات تشيد بالرجل في الصحف الحكومية، ولا يجد القائمون على التلفزيون الرسمي غضاضة في تمرير كلام جيد في حق الإمام، وقبل أيام شاهدت شيخ الصحفيين الراحل حافظ محمود في ندوة على قناة «ماسبيرو زمان» يتحدث بشكل جيد عن البنا، وفي لحظات الشد والجذب بين السلطة والجماعة، كان الاتهام من قبل إعلام السلطة أن القيادة الجديدة خرجت على مبادئ حسن البنا!

 

لكن حدث بعد هذا أمران: الأول هو عداء نظام مبارك للتيار الإسلامي بكل تنويعاته، ونشأ اتجاه داخل اليسار يدعو إلى ضرورة استغلال الفرصة، والتقارب مع السلطة، ومثّل هذا القطاع «رفعت السعيد»، الذي قاد حزب التجمع الوطني التقدمي في هذه «السكة البطالة»، وانطلق مهاجما الإخوان هجوم السياسي الخصم، وليس الباحث الرصين، وكانت المحنة الحقيقية عندما سقط مبارك، فإذا به من بين المهرولين إلى مكتب الإرشاد متقربا لقيادات الجماعة بالنوافل، وهو لم يكن مجرد خصم سياسي، فقد تحول إلى معادٍ للجماعة، وداعيا إلى قطع دابرها!

 

والمشكلة أن جيلا جديدا نشأ بعد الثورة، وبعد الانقلاب العسكري، يفتقر للوعي بما كان قبل هذه المرحلة، وقد وجد في مواقع التواصل الاجتماعي ما يمكنه من القيام بدور «الموجه السياسي»، فيكتشف جهله عند التعامل مع شخصيات لها موقف سابق لم يتابعه، فلا يكون أمامه إلا أن يستسهل إلقاء الاتهامات!

 

هذا الجيل، لم يعرف «إبراهيم عيسى» مثلا، ومعلوماته عنه أنه كان معارضا لمبارك، فعندما يضطر للهجوم عليه بعد الثورة، نتيجة موقفه المعادي للإخوان (حلفاؤه السابقون) فإنه يبتذل الموضوع بإطلاق وصف لا معنى له وهو «أبو حمالات»، وكأنهم يعايرونه بجريمة، وكأن خط إنتاج مصانع «الحمالات» في العالم يذهب إلى جهة واحدة هي منزل «إبراهيم عيسى»، مع أنها بديل شائع في مصر مثل غيرها من بلدان العالم للحزام، ولو كانوا يشاهدون الدراما المصرية واستخدام كثير من الفنانين لها، لعلموا أنها ليست اختراعا خاصا بعيسى!

 

هذا التعاطي مع حالة كاتب مرتبك، ومتقلب، ولا يمثل في أي مرحلة من حياته المعارضة الجادة للنظام، يمثل تسفيها لفكرة الخلاف السياسي، ويجعل المذكور مبرأ من المآخذ في السياسة وفي المهنة، فيضطر خصومه إلى الخفة والابتذال ومعايرته بـ «الحمالات»، فيعلن في شموخ أنه سعيد بإطلاق لقب «أبو حمالات» عليه. وعلى قاعدة لم يجدوا في الورد عيبا فقالوا له يا أحمر الخدين!

 

وكذلك الأمر بالنسبة لحالة «رفعت السعيد»، فأخذا بمنطق الاستسهال تم رميه بالعداء للإسلام لتبرير الشماتة في موته، ومن رموه بذلك لا يستطيعون العثور على سطر كتبه يدخله تحت طائلة العداء للإسلام، ولعل ما كان يؤخذ عليه من «الرفاق الماركسيين» أنه لا ينطلق في نقده للحركات الإسلامية من صميم الفكر الماركسي، ولكنه كان يفعل باعتباره «شيخ الإسلام» وهذه الحركات خرجت على الفكر الديني المستنير. فلم يكن مثلا كفؤاد زكريا، الذي صدر له كتاب ضد أفكار الجماعات الإسلامية كان يستند في نقد مقولاتهم إلى المنطق، فلم يقل قال الله وقال الرسول!

 

وفي مواجهة من شمتوا في وفاة «رفعت السعيد» باعتباره عدوا للإسلام، خرجت طائفة أخرى، تستنكر الشماتة، وما دونها، وتطلب عدم نقده لأنه أفضى إلى ما قدم، وهي حالة عاطفية مفتعلة، ممن يفتقدون للإنسانية ويبحثون عنها في «مقالب الزبالة»، فيتحدثون عن حرمة الموت، وجلال اللحظة، مع أنهم رقصوا من قبل على أنهار الدماء التي سالت في مصر. ومن حسن الحظ أنهم لم ينتبهوا إلى سورة «المسد»، وما فيها من تبكيت لاثنين من الموتى الآن: «خالد الذكر أبو لهب» والسيدة حرمه «أم جميل»!

 

هذا الفعل الفهلوي، في الهجوم على «رفعت السعيد» عطل النقد الموضوعي لمسيرته، من التيار الذي ينتمي إليه، فكيف يشاركون الآن في نقد «رفيق»، يتهمه التيار المعادي بالكفر والعداء للإسلام؟!

 

الانشغال بالديني وهو حمال أوجه، كان على حساب السياسي، الذي يكفي بحسم الأمر ووضع رفعت السعيد في مكانه الصحيح، فقد شارك في إفساد الحياة السياسية وباع اليسار للسلطة بثمن بخمس؛ هو تم تعيينه في مجلس الشورى بقرار من مبارك، وابتذل قيمة بحجم خالد محيي الدين، أحد الضباط الأحرار الذين طالبوا بعودة الجيش لثكناته، وإقامة حياة نيابية سليمة، فينتهي به المطاف إلى قبول عضوية في البرلمان لأكثر من دورة بالتزوير المفضوح بحكم قضائي، وهاتفا باسم «إبراهيم نافع» وهو الذي لم يهتف باسم «جمال عبد الناصر»!

 

لقد استحوذ على خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع وسيطر عليه، مستغلا ضعفه الإنساني، ليقود به عملية تدمير «التجمع» حزبا وفكرا، وتدمير اليسار تاريخا ونضالا، وبدلاً من أن اليسار كان ينافس التيار الإسلامي في كل الميادين، ويتفوق عليه في الحضور في وسط الحركة العمالية، صار كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.

 

إنه عمى الدبب!

أضف تعليقك