• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

تعليقًا على فيديو رفع المطواة على قاريء للقرآن بقرية صافور المجاورة

 

أذكر أنني حضرت في أواخر عام 2011م إحدى المآتم بقريتنا (المنا صافور) بمضيفة الشيخ عبد الحافظ، ويغلب على ظني أن القارئ كان الشيخ أحمد بسيوني، وكانت تلاوته بآيات تتحدث عن عذاب الله وعقابه ومصير العاصين الغافلين، ولا أنكر أن تلاوته كانت جيدة وصوته عذابًا جميلًا، إلا أن تعاطي الناس مع القراءة كان غريبًا، وكانت تتعالى أصواتهم أن يعيد القراءة لبعض الآيات مرة تلو أخرى، وترتفع أصواتهم بكلمة (الله)، وذلك العلو لم يكن موجهًا بالطبع للآيات بل كان مدحًا لصوت الشيخ!! واللافت للنظر لي كانت مجاراة القاريء لتلك الأصوات وانتفاخه بذلك المديح، وللأسف كان من بين الحضور من نظن فيهم العلم والفقه (يرحمه الله)، وكان يجاري القاريء بعلو صوته، فمرة يقول له: الله على قراءة ورش، ومرة يقول: الله على قراءة حمزة !! فكأن هذا العالم لم يخشع قلبه للآيات وما بها بقدر تلحين القاريء لها.

المهم في الأمر: أن تلك التصرفات حازت في نفسي، وأقسمت أن ألقي كلمة على الحضور أوجه فيها عدة رسائل لنفسي وللجمهور وللشيخ القاريء، وأن أكون صريحًا غير مجاملًا. وبمجرد أن أنهى الشيخ قراءته للربع الأول، حتى وقفت بجانبه وأخذت المايك، وتحدثت عن الآيات وما فيها من تذكرة للعباد، ثم وجهت كلامي للحضور مبينًا آداب الاستماع إلى كتاب الله خاصة في المآتم وما فيها من تذكُّر الموت وفراق الأهل، وتساءلت عن تلك الأصوات المرتفعة، أهي خشوع بالقراءة أم استهزاء بالعذاب؟ وأنه ما كان ينبغي ارتفاع الأصوات بل خشوع القلوب والجوارح والاستعاذة بالله من غضبه سبحانه. ثم أعقبت كلامي للقاري: وذكرته بنعمة الله عليه أن أعطاه صوتًا جميلًا، فليتق الله في تلك النعمة، ويجعلها سبيلًا لوعظ الناس واستشعارهم بكلام الله وتدبرهم له، وذكرته بحديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، ومنهم (المجاهد والمنفق والقاريء للقرآن) فهؤلا جميعًا مع عظم أعمالهم، إلا أن نياتهم لم تكن لله مخلصة، ثم ذكرت أمثلة متعددة من تدبر السلف، وأن الأمة لن تصلح إلا بتدبر القرآن والعمل به، وأتذكر من بينها الموقف المشهور لسيدنا (عباد بن بشر رضي الله عنه) وتدبره لسورة الكهف في غزوة ذات الرقاع.

والغريب أنني لم أجد اعتراضًا من الحضور بل وجدت إنصاتًا وتأثرًا، بل إن الشيخ عقب خروجه من المأتم، رآني في الشارع، فأوقف سيارته الفارهة وقال لي من شباك السيارة: جزاكم الله خيرا يا شيخ كلامك كله صح !!

أقول هذا الكلام .. لأنه للأسف أصبحت المآتم من الأمراض المجتمعية المنتشرة في الريف المصري، وأصبح الناس يتباهون ويتفاخرون بها، فهي أقرب للاحتفالات والأفراح منها للموعظة، وأصبحت فارغة من الهدف المنوط بها، وهي صلة الرحم وتذكر الموت وتدبر القرآن، فإن هي خرجت عن ذلك فإن الميت أولى بتلك الأموال الطائلة (بصدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ..

 

 

 

أضف تعليقك