أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يوم 21 أغسطس الجاري، في لقاء عسكري عن إستراتيجية أمريكية جديدة بشأن أفغانستان. وبعد مقدمات طويلة، حاول فيها تبرير تراجعه عن وعده الانتخابي بالحد من إرسال قوات أمريكية خارج البلاد، طرح ترامب إستراتيجيته الجديدة، بالنسبة له، والتي ارتكزت على عدة محاور، أهمها زيادة حجم القوة العسكرية الأميركية فى أفغانستان، وعدم التقيد بإطار زمني لمهمتها مع زيادة مساحة صلاحيات القادة العسكريين الميدانيين. وفيما يتعلق بباكستان، تصويب علاقات أميركا معها، وربطها بعدم توفير ملاذات آمنة لحركة طالبان، وغيرها من الحركات الإسلامية المتطرفة في باكستان، وأيضاً ضبط العلاقات الباكستانية مع الهند، خصوصا في تخفيف حدة الخلافات الحدودية، والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب، حتى ترتقي باكستان النووية بعلاقاتها مع أميركا إلى مستوى علاقة الهند النووية بها. في المجمل، كانت تلك أهم النقاط التي طرحها ترامب، والتي أعادت منطقة جنوب آسيا إلى أولويات الإستراتيجية الأميركية، بعد أن تراجعت كثيراً في السنوات القليلة الماضية.
عودة أميركا إلى المشهد الأفغاني بقوة يتطلب منها إعادة ضبط علاقاتها مع ثلاث قوى إقليمية ذات تأثير: باكستان ذات الحدود المشتركة مع أفغانستان والعلاقات القديمة مع "طالبان" والجماعات الإسلامية. وإيران، ولها أيضا حدود مشتركة مع أفغانستان، وعلاقات جيدة خصوصا مع الحكومة الأفغانية، وقبائل الشمال والمجاهدين السابقين والمناطق ذات الأغلبية الشيعية. والهند، ولها دور كبير فى مجالات إعادة الإعمار والاستثمار في أفغانستان، خصوصا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المدعومة أميركياً، في كابول.
إذاً، الإستراتيچية الأميركية الجديدة هي عودة أميركا عسكريا بقوة إلى الساحة الأفغانية لمطاردة القاعدة و"داعش"، وحرمانهم من الملاذات الآمنة في حالة عودة "طالبان" إلى التمكّن من أفغانستان، طبقا لتقديرات وزارة الدفاع الأميركية وخبرائها، وهو يعني العودة إلى نظرية أن أفغانستان هي بلد المنشأ لكل ما هو "إرهاب إسلامي".
وتزامناً مع إعلان ترامب تلك الإستراتيجية، وما سوف يترتب عليها من زيادة حجم القوات الأميركية، وبالتبعية قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في أفغانستان، مع التركيز على منطقة جنوب آسيا بصفة عامة، كانت هناك تحركات أميركية على مستوى وزيري الدفاع والخارجية، في قلب الشرق الأوسط الذي هو الساحة الرئيسية لنشاط جماعات "الإرهاب الإسلامي"، خصوصا في العراق، حيث تجتمع كل القوى المساندة لأميركا، في حربها الميدانية، سواء بشكل مباشر، مثل التحالف الدولي وتركيا، أو بشكل غير مباشر، مثل إيران والمليشيات الشيعية العراقية الموالية لها وقوات البشمركة الكردية، وهذا ما يفسّر التحركات التي جرت أخيرا في المنطقة، من زيارات أميركية وتركية إلى أربيل، ولقاءات مع رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، وزيارات أميركية وإيرانية إلى أنقرة ولقاءات الرئيس التركي، أردوغان، وتحركات روسية وأوروبية خاصة بسورية وليبيا، ثم تحركات أميركية، يقودها كبير مستشارى ترامب وصهره فى المنطقة، في إطار مشروع تسوية القضية الفلسطينية.
كل تلك التحركات، مهما تعدّدت أطرافها، ومهما اتسعت مجالاتها الجغرافية، ومهما أحاط بها من إجراءات جانبية، تبدو كأنها خارج السياق مثل الصحوة الأميركية المفاجئة تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والتي دفعتها إلى تعليق نحو ثلاثمائة مليون دولار من المعونة الأميركية لمصر، أو التنبه الغربي المتأخر للخروق الخاصة بالقانون الدولي الإنساني في اليمن من تحالف السعودية والإمارات.. تأتي كل تلك التحركات في إطار واحد، حدّدته أميركا، وهو الحرب الدولية المقدسة ضد "الإرهاب الإسلامي"، والتى رأت الإدارة الأميركية الجمهورية الجديدة، بكل أركانها الصلبة من المحافظين الجدد/ القدامى، واليمين المتطرّف، أن إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما الديمقراطية، قد انحرفت عن تلك الأهداف، بإتباع استراتيجيات أكثر ليونة ودبلوماسية، وربما رخاوة، في مواجهة ذلك الخطر "الإسلامي"، فكان لابد من صحوة أميركية تنبه ترامب إلى أن الأمر يتطلب إجراءات أكثر حسما، وليس مجرد "تغريدات"، وهو ما جرى تحت عنوان يبدو أكثر إثارة، وهو الإستراتيجية الجديدة، بينما لا جديد في الأمر.
تلك هي الإستراتيجية الأميركية الجديدة، فماذا عن الأهداف القديمة؟ علينا أن نعود بالذاكرة إلى 11 سبتمبر 2001، وإعلان الرئيس الأميركي الجمهوري، فى ذلك الوقت، چورج دبليو بوش الابن، حرب أميركا العالمية ضد الإرهاب "الإسلامي". وأنه من ليس معنا فهو ضدنا. وبلغ به الأمر في لحظة انفعال واع، أو غير واع، أنه صرح بأنها حرب صليبية جديدة. وهكذا، عودا على بدء، تعود أميركا إلى الهدف الحقيقي، والذي كانت تستهدفه إدارة بوش الابن في العام 2001، عندما صرّح بأنها ستكون حربا صليبية. وكان هدف الحروب الصليبية واضحاً: القضاء على الإسلام، وإذا كان قد فشل في الماضي، فليكن هدف الحرب الصليبية الجديدة هو تحييد الإسلام، وتقليم أظافره الجهادية، ليس بيد أميركا والغرب فقط، ولكن بدعم ومشاركة من قلب العالم الإسلامي نفسه، بدعوى أن من ليس معنا فهو ضدنا. وأضاف ترامب صراحة أن من هو ضدنا لن نكون ملتزمين بحماية حكمه، وعليه أن يتحسّس كرسيه جيدا.. وذلك تحت شعار مُلتبس، الحرب على "الإرهاب الإسلامي".
أضف تعليقك