• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كنت في منتصف الثلاثين من عمري وتم انتدابي من أحد الأصدقاء الأعزاء علي قلبي للتحقيق في جناية تعدي علي أسرة ومزرعتهم والشروع في قتلهم جميعاً ، وهذا الحدث في بحيرة المنزلة ، وكذلك جلسة القضاء العرفي في البحيرة ، وبين عائلتين من أكبر العائلات المقيمة في البحيرة ، ووافقت بسبب حبي لصديقي الذي طلبني وندبني للتحقيق وانهاء الخصومة ، وكذلك بسبب حبي لمرافقي العزيز عليه رحمة الله الحاج #صلاح_ابو_سويلم ذهبنا الي أحد البلاد القريبة من البحيرة ، وتركنا سيارتنا هناك ، ورأيت الكثير من الناس الذين في استقبالنا كل واحد يحمل سلاحه وهو عبارة عن بندقية آلية ، وكانوا في منتهي الحفاوة بنا ، وركبنا سيارة اخري لتنقلنا الي شاطئ البحيرة لنركب مركب ننتقل بها داخل البحيرة ووصلنا البحيرة وعدد من الناس المدججين بالسلاح في استقبالنا وركبنا لانش موتور وانطلق بنا في سرعة مجنونة داخل البحيرة ، وتوغلنا في ادغالها وتحولت البحيرة الي غابة من البوص تتخلله بعد الطرق المائية التي لا يسير فيها إلا من يعرف دروبها الوعرة ، من اول وهلة تبين لي وعورة وروعة الحياة في قلب البحيرة ، عالم آخر من الغرابة والمتعة ، الدروب مائية ، والمقابلات باللانشات داخل هذه الدروب بهذه السرعة حرفة تحتاج الي دراسة وتحليل ، بل ان شكل الحياة نفسه داخل البحيرة يحتاج إلى تجربة فإنها متعة لن تجدها حقاً إلا هناك ، البشر ههنا ودودون مبتسمون تستشعر أنك انتقلت الي المعني الحقيقي للفطرة ، قلوب طيبة نقية لا تكاد تستشعر منهم أحداً قادراً على الشراسة والعنف بسبب مظهرهم الطيب ولهجتهم الودودة الحانية الطبيعية غير المتكلفة ، وتكاد تراهم جميعاً أسوداً حينما فكر أحدهم أن ينتهك حرماتهم ، المهم الجو ههنا رائع ، منتهي الانعزال عن العالم ، ومنتهي التوغل والتعمق في عالم فريد وجديد وكل ما فيه يحتاج الي دراسة وتحليل ، كيف لهذا المجتمع أن يكون بكل هذه الطيبة والغطرة والنقاء ، ثم كيف له أن يكون بهذه الضراوة والقسوة والقوة إذا ما رأي ظلماً يصيبه . 

وصلنا داخل البيت الذي سنقيم فيه حتي موعد الجلسة العرفية ، قبل الظهر ، وكان بيت صديقي الذي دعاني ، لاقينا كمية حراسة مسلحة من شباب ما شاء الله لا قوة إلا بالله ووجدنا كمية كرم أخلاق وكرم ضيافة غير مسبوق ، كل شيئ هناك بطعم البحيرة ، الشاي بطعم البحيرة النقي ، الماء بطعم البحيرة النقي الهواء بطعم البحيرة النقي ، واخذت اتجاذب معهم أطراف الحديث اعجاباً مني بلهجتهم الفريدة وحبي لها ، ينطلق وجه المتحدث منهم وكأنك تري طفلاً يقول حلو الكلام فيعجبك ويُسر به قلبك وترغب في ألا ينتهي من كلامه.

أراد صاحب المشكلة ان يتحدث ويشرح لي المشكلة فطلبت منه أن يسكت وأخبرته أنني لن أسمع منه إلا أثناء الجلسة حتي لا يتكون بداخلي رأي أكون قد تأثرت فيه بسماعي له.. فاندهش الرجل واحترم رغبتي وسكت واخذ ينظر لمن حوله مندهشاً بينما لاحظته أنا وأنا أبدأ الاستغراق في عالمهم الذي استغرقني تماماً.......

#بحيرة_المنزلة_2
استغرقني هذا المجتمع الطيب بكل تفاصيلة ، جلست اسجل كل ما أراه بداخل تلافيف عقلي لانبهاري بهذا المجتمع البسيط المتناهي في البساطة ، العظيم المتنامي في العظم ، أذن الظهر فقام الجميع وتوضأوا وصلينا ، وصلي بنا رجل وقور يرتدي ثيابا أنيقة ، وترك الجميع أسلحتهم وصلوا ، ثم توجه الرجل الأنيق الطاعن في السن والخبرة إليَّ أنا ورفيفي بالحديث ، وقال لنا... بص يا استاذ احنا هنا خيرنا كتير والحمد لله ، وخير ربنا علينا كتير لا حد له ، وهو ليس لنا وفقط ، بل هو للجميع ههنا ، لا نرد سائلاً ولا نبخل علي محتاج وليس لنا أعداء ولكن حالة التعدي هذه أري أننا قد أخذنا حقنا فيها من قبل ان نجلس للقضاء ، ولكن كل ما يهمنا هو احقاق الحق ، النصف مليون جنية لا بشغلنا سواء كان الحق معنا ولا يشغلنا سواء كان الحق علينا ، ولا يهمنا أن نتغرم أكثر منه إنا كنا مدانيين ولا أن نأخذ أكثر منه إن كنا أصحاب حق ، يهمنا أن يلتزم كل واحد حده معنا ويتعلم ابناؤنا أن يلتزموا حدودهم مع الجميع طالما هناك احترام.. وليعلم الجميع أننا علي استعداد أن نجيش الجيوش ونشعل البحيرة ناراً إذا اعتدي أحد علي محارمنا ولو كانت دجاجة ، لبحافظ الجميع علي حقة بدمه وروحه ويحترم حقوق الغير أكثر مما يحترم نفسه ، ولابد في موقف مثل هذا أن نظهر بأسنا وقوتنا حتي لا يتجرأ أحدٌ علينا ، وحتي حينما نبدي إحتراماً للجميع فليعلم الجميع اننا فقط نحترمهم لاننا محترمون ولسنا ضعفاء ، كل هذا الحديث والابتسامة البشوشة لا تفارق وجهه ولا الشموخ يفارق ملامحه ، وأيدته في كل ما قال وتعرفنا عليه فإذا هو أحد اساتذة مجمع بحوث اللغة العربية ، وفجأة قال اسمعوا يا اساتذة المراح ده مراحنا والأرض دي أرضنا ينعيش رجاله عليها يا نطلع للبر ، الجو من حولك أشبه ما يكون بثكنة عسكرية ، فقلت له السلاح لديكم كثير وكثيف ، قال لي تقدر تعيش في الضلمة من غير نور قولت لاااا قال سلاحنا هو شمعتنا في البحيرة ، ولا نرفعه في وجه أحد ولا نتباهي به إلا بحقه وبقدره ، وحضر طعام الغداء وكان إفراطاً في الكرم ، سمك من البحيرة تري فيه نقاء الماء وعذوبة طعمه وملوحته ، وبط بطعم السمك فاستغربت لا فرق بين طعم البط وطعم السمك فضحكوا وقالوا لأنه لا يأكل إلا السمك ، الطعام لذيذ وطريقتهم في تناوله تغريك علي التناول معهم حتي لو كنت صائماً وقبيل المغرب بوقت قليل ، يقوم الواحد منهم بتقشير سمكة البوري المتوسطة الحجم ويسيل منها دهنها ويضعها علي كفة يده والسمانة تسيل منها ثم يأخذ منها بيده ويضعها في طبق الارز الذي أمامه ويأخذ منه ويتناول ويأكل في هدوء وسكينة غير عادية انتهينا من الطعام وكان كل شيئ يأتي تباعاً دونما صوت ، الجميع مبتسم وسعيد ، اقتربت من الشاب الذي صب لي الشاي وسألته ما سبب هذه السعاذة ، قال سبب سعادة كل من حولك هو ان هذه المشكلة سوف تنتهي اليوم ونعود كما كنا نحن والعائلة الثانية فبيننا نسباً وبيننا صداقات وبيننا زمالات في العمل داخل البحيرة لأننا كلنا أهل فصار لدي شغف وفضول قاتل لمعرفة سبب هذه المشكلة ، فسألت عن موعد الجلسة قالوا بعد صلاة العصر في مضيفة الحاج ضرغام...... فنظرت في الساعه باقي علي العصر اكثر من ساعة...... فاضطررت للصبر حتي اسمع منهم في الجلسة ولا أخالف مبادئي التي تعلمتها من احبابنا في مهارات القضاء العرفي...

أضف تعليقك