• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لا تستطيع إلا أن تضحك عندما ترى روسيا والصين وهما تدعوان أمريكا إلى التروي والحكمة والهدوء إزاء التحدي الكوري الشمالي. يحاول الرئيس الروسي بوتين أن يظهر بمظهر الحكيم الذي يريد منع نشوب حرب نووية بين أمريكا وكوريا الشمالية ويدعو إلى حل الصراع بالحوار، لكنه يناقض نفسه بعد قليل في نفس التصريح ليقول صراحة: "كيف تريد منا أمريكا أن نفرض عقوبات على كوريا الشمالية وهي أي أمريكا تفرض علينا وعلى كوريا الشمالية عقوبات قاسية؟" وفي إشارة تحد أخرى لأمريكا يضيف بوتين: "الكوريون الشماليون لن يتخلوا عن السلاح النووي حتى لو أكلوا العشب." هنا تصبح المسألة الكورية واضحة المعالم. هنا يؤكد بوتين للعالم ولأمريكا أن التحدي الكوري الشمالي ليس مجرد نزعة صبيانية لدى الرئيس الكوري المعروف بتصرفاته الفاقعة، بل هي أكبر من ذلك بكثير. إنها رسالة روسية للأمريكيين بأن زمن القطبية الأحادية لن يدوم طويلاً، وها نحن نتحداكم هذه المرة في الجزيرة الكورية... نووياً.

بعبارة أخرى، فإن الرئيس الكوري الشمالي لا يهدد أمريكا بالسيف الكوري الصدئ، بل بالسيف الصيني والروسي الذي فعل فعله في مجلس الأمن باستخدام الفيتو مرات ومرات ضد كل المشاريع الغربية والأمريكية تحديداً فيما يخص الشأن السوري. فإذا كان الرئيس السوري أداة روسيا في البحر المتوسط، فإن الرئيس الكوري الشمالي هو أداة روسيا في شبه الجزيرة الكورية، وهو لا يتصرف بمفرده، بل كطليعة للحلف الروسي الصيني البريكسي، نسبة إلى مجموعة بريكس الصاعدة التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهي مجموعة لا يستهان بها في مواجهة النمرود الأمريكي.

لماذا لم نر التجارب الهيدروجينية الكورية الشمالية إلا بعد أن عادت الحرب الباردة بين الروس والأمريكيين أشرس من السابق؟ لماذا لم نسمع عن تفجير قنبلة هيدروجينية كورية تعادل خمسة قنابل نووية إلا عندما طردت أمريكا معظم الطاقم الدبلوماسي الروسي من أمريكا، وبعد أن فرضت عقوبات اقتصادية ومالية رهيبة على روسيا وصفها رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف بأنها حرب اقتصادية أمريكية شاملة على روسيا. بعبارة أخرى، لا يمكن أبداً فصل المسرحية الأمريكية الكورية الشمالية عن الصراع المتنامي بين الأمريكيين والروس في العالم، فروسيا بدأت توسع نطاق ردها على الجبروت الأمريكي كي تفك الكماشة الأمريكية التي تحاصرها، وكي تقضي على نظام القطب الواحد الأمريكي الذي يحكم العالم منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي.

هل ستسمح روسيا والصين بقرارات دولية قاسية ضد كوريا الشمالية في مجلس الأمن بعد أيام؟ في أحسن الأحوال قد تمتنع الصين عن التصويت حفاظاً على مصالحها الاقتصادية مع أمريكا، لكن الواضح أن الروس المتألمين من العقوبات الأمريكية سيتستخدمون الفيتو لإفشال تضييق الخناق على بيونج يانج، لأنهم يعتبرون التحدي الكوري الشمالي لعبتهم، ولا بد أن يستغلوه إلى أبعد حد في المناورة مع أمريكا. لا يمكن أبداً استبعاد انخراط الروس والصينين بشكل ما في هذا الصراع وربما تأجيجه والوقوف خلفه، ودفع كوريا الشمالية لمواقف متصلبة، ووضعها كلاعب وكيل في مواجهة الولايات المتحدة، كما تفعلان في سوريا. كما "لا يمكن لكوريا الشمالية، ومهما بلغت من التقدم والمضي قدماً في برنامجها النووي، أن تتخذ مواقف أحادية الجانب، وبمعزل عن غطاء إقليمي ودولي بات واضحاً أن الصين توفره لها، وتحميها بشكل ما. ومهما بدت كوريا متصلبة في مواقفها، لكن هذا لا يمكن أن يتم من دون تنسيق مسبق مع الروس والصينيين، في لعبة إدارة الصراع عبر إقحام النووي كرسالة مباشرة وصارمة موجهة للأمريكيين". ويرى كاتب سوري أن الصراع الجديد بين القوى الكبرى لم يعد ممكناً بشكل مباشر في هذا الزمن، فلا بد إذاً من الصراع بالوكالة، كما يحدث في سوريا وكما يجري الآن في كوريا الشمالية... "لا سبيل، أبداً، إلى أية مواجهة نووية، أو حتى مجرد واحدة عسكرية تقليدية بين الأقطاب الكبرى في العالم، فكان لا بد من ملاعبة الأمريكيين بالوكلاء والحلفاء وهز العصا النووية لأمريكا من قبل وكلاء للروس والصينيين ليقولوا لها بأنها قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء في العلاقات الدولية، ولا بد للطرف الآخر من تجاوز كافة الخطوط الحمر العسكرية معها أيضاً."

دعكم من بيانات الشجب الصينية والروسية المفضوحة لكوريا الشمالية، فهي ليست أكثر من ذر للرماد في العيون. إن ما يحدث في شبه الجزيرة الكورية ليس حدثاً معزولاً، بل هو في صلب صراع القوى الدولية المتصاعد. روسيا والصين تقولان لأمريكا: قد لا نستطيع أن ننافسك اقتصادياً حتى الآن، لكن لدينا القوة العسكرية والنووية التي يمكن أن تهز الجبروت الأمريكي، والردع النووي الكوري الشمالي هو الآن السلاح الأقوى في أيدي الصينيين والروس لخلق نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.

أضف تعليقك