"إذا أراد الأسد البقاء في السلطة، فعليه إبقاء إيران خارج سورية".
هذا هو شرط إسرائيل، كما صاغته وعبرت عنه بكلماتٍ محدّدة وقاطعة، وزيرة العدل الإسرائيلية، إياليت شاكيد، أول من أمس الاثنين، في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، المنعقد في تل أبيب.
يأتي تصريح الوزيرة على الموقع الإلكتروني لصحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية متزامنا مع تأكيداتٍ من الموقع ذاته على نبأ زيارة ولي عهد السعودية، المتوثب لتولي المُلك، محمد بن سلمان، إلى إسرائيل، سرا، وهي الزيارة التي لم تجرؤ الرياض على نفيها، ولم تكلف إسرائيل الرسمية نفسها عناء تأكيدها أو تكذيبها، تاركة المجال، كالعادة، لوسائل إعلامها، تتولى مهمة الكشف والفضح.
تكرر السيناريو ذاته في مناسبتين مع عبد الفتاح السيسي، الأولى حين استدعاه نتنياهو، سرا، إلى مدينة العقبة لاجتماع ضم رئيس الحكومة الصهيونية وملك الأردن، ووزير الخارجية الأميركية جون كيري في ذلك الوقت من العام 2016، وهو الاجتماع الذي بقي قيد السرية، حتى هتك سره نتنياهو نفسه في فبراير 2017.
أما المناسبة الثانية فكانت حين قرّر نتنياهو التوغل داخل قصر الاتحادية، مقر حكم السيسي، صحبة زعيم المعارضة الإسرائيلية، يتسحاق هرتسوج، في تلك الليلة من شهر أبريل 2016، وانعقد اجتماع دامت سريرته نحو عام وشهرين حتى فضحته صحيفة هاآرتس الصهيونية في يونيو الماضي.
المعنى أن كل يوم يمر يؤكد أن حكام هذه المرحلة باتوا مسكونين بيقين أن بقاءهم في السلطة، أو صعودهم إليها، يمر عبر البوابة الإسرائيلية، وأن "تل أبيب" صارت مصدر السلطات، بالنسبة لكل من يحاربون الربيع العربي، ومن ثم لم يعد يزعجهم تسريب أخبار تسلّلهم إلى الحضن الصهيوني الدافئ، لكي يسدّدوا مقدمات ثمن تملك السلطة في بلادهم.
في هذا، يمكن اعتبار عبد الفتاح السيسي رائدا ومجدّدا في هذا المجال، فعلى دربه سار بشار الأسد، والآن محمد بن سلمان، ولم يكن السيسي يكذب أو يدّعي حين أمسك بيد محمد بن سلمان، الذي كان فقط وزير الدفاع وولي ولي العهد في ذلك اليوم 30 يونيو 2015، وأطلق مقولته الشهيرة، على هامش حضور بن سلمان حفل تخرج الدفعة 109 من طلاب الكلية الحربية "من الآن لن تروننا إلا معا"..
الآن وبعد عامين، تتحقق المقولة: السيسي وبن سلمان معا، على الطريق الإسرائيلي، باعتبارهما نتاج مشروع واحد، هو مشروع الثلاثين من يونيو الذي تثبت الأيام أنه المشروع الصهيوني، المتكامل، لهندسة نظم الحكم، ليس في مصر وحدها، وإنما في عموم الأقطار العربية الكارهة للثورات وللتغيير.
دعني أذكّرك بتصريحات رئيس جهاز الشاباك الصهيوني السابق، أفي ديختر، في محاضرة في المعبد اليهودي الكبير منتصف ديسمبر 2015، وأعلن فيها إنه مع وصول "الإخوان" إلى الحكم، بدأت كل الدول، بما فيها إسرائيل، تخصيص ميزانياتٍ تصل إلى المليارات، للتخلص من هذا الوضع.
غني عن البيان، طبعا، أن الدول التي أنفقت المليارات على انقلاب السيسي كانت في طليعتها السعودية والإمارات، بما يؤكّد أن الجميع حاربوا الربيع، وفق أجندةٍ صنعتها إسرائيل بدقة شديدة، واستبسل في تنفيذها الساعون إلى نيل درجة "الكنز الاستراتيجي" التي تتيح لحاملها التمتع بالسلطة، ممهورة بالختم الإسرائيلي.
وبما أنهم أبناء المشروع الواحد، فإن ممارستهم السلطة تتشابه إلى حد التطابق، تجريم وتحريم لكل أشكال المعارضة، واستدعاء محموم لداعش، كلما استشعروا غضباً داخلياً، بحيث تشعر وكأنهم تلاميذ ينقلون من كتاب واحد، عنوانه "الاستثمار في الحرب على الإرهاب"، فعلى طريقة السيسي يتم الإعلان، في الرياض، عن إحباط مخطط خطير لهجمات داعشية إرهابية، وهذا هو المناخ الأمثل لتوفير وضعية مريحة للساعين إلى حبس الشعوب داخل جدران الخوف والرعب، مع تصنيف كل مقاومة، وكل معارضة، وكل رأي مخالف، إرهاباً.
الآن، يثبت أن النضال المشترك بين أهل السلطة في كل من القاهرة والرياض لانتزاع جزيرتي تيران وصنافير كان جزءًا من ثمن الجلوس على السلطة، تم دفعه، وبقيت فواتير أخرى كثيرة واجبة السداد في الخزينة الإسرائيلية.
أضف تعليقك