استضافت مصر مؤخرا الاجتماع السنوي للتحالف الدولي للشمول المالي الذي حولته السلطات المصرية إلى وسيلة للدعاية لمزاعم نجاح برنامجها الاقتصادي.
والشمول المالي يعني إتاحة الخدمات المالية للجميع خاصة الفقراء والشرائح المهمشة، وكان البنك المركزي المصري قد وجه البنوك المحلية للاحتفال باليوم العربي للشمول المالي الموافق 27 أبريل، من خلال إتاحة فتح حسابات جارية للعملاء بدون رسوم لمدة أسبوع .
وقامت البنوك وقتها بحملات دعائية شملت فروعها وامتدت لمراكز الشباب والأندية الاجتماعية، والجامعات ومراكز التسوق والوحدات الصحية وتسيير شاحنات للتجول بالمحافظات والقرى، وإرسال رسائل نصية على الهواتف المحمولة وتنشيط خدمات الكول سنتر بالمصارف للرد على استفسارات العملاء .
إلا أن تلك الحملة الدعائية لم تسفر سوى عن فتح 82 ألف حساب مصرفي جديد، في مجتمع يعيش به 94 مليون نسمة، رغم استهداف الحملة الدعائية لنحو عشرة ملايين حساب مصرفي .
وعدد الحسابات المصرفية بمصر غير معروف بدقة، حيث تردد على لسان محافظ البنك المركزي السابق هشام رامز، خلال أحاديثه التلفزيونية وقت توليه أنها عشرة ملايين حساب، بينما يتحدث الخبراء عن تسعة ملايين حساب منها 2 مليون فقط نشطة، لكن رئيس البنك الأهلي المصري ذكر في أبريل الماضي بمناسبة يوم الشمول المالي العربي أنها ثمانية ملايين فقط .
ولأن قسمة ذلك العدد على عدد السكان البالغين يأتي بنسبة منخفضة تدور حول العشرة بالمائة ، وهو ما لا يليق بحضور مؤتمر الشمول المالي به ، فقد تصرف محافظ البنك المركزي الحالي وأضاف الحسابات بصندوق توفير البريد البالغة 24 مليون حساب ، ليخرج بنسبة شمول مالي مصرية 32 % .
رغم أن رئيس هيئة البريد قد ذكر مرات عديدة أن غالب تحت الحسابات راكدة ، وأن من بينها 4.5 مليون معاش يتم صرفه شهريا من مكاتب البريد ، وتشير بيانات جهاز الإحصاء أن صافي الودائع بالبريد قد بلغ 6.1 مليار جنيه ، رغم بلوغ عدد مكاتب البريد بنفس العام 3927 مكتبا منتشرة بأنحاء المدن والقرى ، وهو عدد لا يتوفر لأي بنك .
فحتى مارس الماضي كان عدد فروع البنوك المصرية 3977 فرعا منها 1017 تخص البنك الزراعي المصري ، أي أن 38 بنكا مصرية وعربية وأجنبية تعمل بمصر يخصها 2960 فرعا فقط ، وهو ما يفسر ظاهرة الزحام الذي لا ينقطع داخل صالات البنوك .
ورغم كثرة فروع البنك الزراعي ، إلا أن قدرته على حشد الودائع مازالت محدودة ، حيث بلغت أرصدة ودائع العملاء به بنهاية يونيو 2016 نحو 4ر2 مليار جنيه ، بنسبة واحد بالألف من إجمالي الودائع المصرفية .
أسباب معلنة وأخرى جوهرية للشمول
ويظل السؤال الرئيسي لماذا اهتم البنك المركزي المصري بالشمول المالي الذى يتجه لمن لا يتعاملون مع البنوك ؟ وهنا ستظهر ردودا عديدة تتعلق بتقليل معاملات الكاش ، وجذب القطاع غير الرسمي للتحول للنظام الرسمي ، ومواجهة ظاهرة غسيل الأموال وحشد الطاقات الادخارية للإقراض وللاستثمار، وإتاحة المجال للمشروعات متناهية الصغر للتمويل المصرفي .
إلا أن هناك أسبابا جوهرية لا يتم الحديث عنها أبرزها إيجاد تدفقات ادخارية للبنوك تمكنها من الاستمرار في أداء دورها الرئيسي لتمويل العجز المستمر بالموازنة العامة للدولة ، حيث تتحمل الجانب الأكبر لتمويل العجز من خلال شراء أذون وسندات الخزانة وإقراض الحكومة .
ولأن الودائع تمثل نسبة 69 % من موارد البنوك النقدية ، يتضح ذلك الأمر حين نجد أن متوسط الزيادة الشهرية بودائع البنوك بالنصف الأول من العام الحالي ، قد بلغت حوالي 47 مليار جنيه شهريا ، منها حوالي 12 مليار فوائد للأرصدة القديمة كتقديرات حسب لا يتم إعلان الرقم الحقيقي ، ليتبقى حوالي 34 مليار جنيه متوسط زيادة شهرية بالودائع .
بينما نجد أن احتياجات الحكومة لتمويل عجزها من خلال البنوك بشهر يونيو الماضي ، قد بلغ 6ر40 مليار جنيه مشتريات أذون خزانة ، واقتراض حوالي 19 مليار جنيه من البنوك ، بإجمالي 4ر59 مليار جنيه، مقابل زيادة للودائع متضمنة الفوائد 47 مليار جنيه فقط ، الأمر الذى دفع الحكومة لزيادة التزاماتها لدى البنك المركزي خلال الشهر بنحو 30 مليار جنيه ، وطبع نقود بنحو 6ر17 مليار جنيه بنفس الشهر .
أيضا هناك رغبة في تتبع أموال من ترى السلطات أن لهم صلة بالمعارضين لها ، والتحفظ عليها كما حدث بمئات الحالات ، والضغط عليهم لعدم مساعدة أسر المعتقلين ، وكسر صمودهم وثباتهم داخل المعتقلات .
إلى جانب أن زيادة عدد الحسابات المصرفية هو أحد مطالب صندوق النقد الدولي، والذى يتم على أساسه تقييم مدى الالتزام بتلك المطالب كل ستة أشهر ، للاستمرار بمنح أقساط القرض .
أضف تعليقك