"لو أن إسرائيل وراء نجاح 30 يونيو فعلاً، فعلينا أن نشكرها لأنها خلصتنا من الخونة أمثالكم".
حول هذه الثيمة دارت غالبية ردود "شعب السيسي المختار"، حين نشرت اعترافاً خطيراً للكاتب المصري عماد جاد، وهو أحد صقور الثلاثين من يونيو/ حزيران في مصر، وأحد غلاة الطائفية، المختبئين تحت قشرة علمانية مزيفة، وأحد الإقصائيين الأشداء، تحت قبة برلمان عبد الفتاح السيسي.
بعد ساعات من عاصفة عماد جاد، جاءت فاجعة رحيل مرشد جماعة الإخوان السابق، الدكتور محمد مهدي عاكف، في سجنه، ضحية تنكيل وحرمان من العلاج في محبسه؛ فعادت الأصوات ذاتها، التي كانت في الصباح تجزل الشكر لإسرائيل على صنيع الانقلاب، لتعبر عن غبطتها وبهجتها برحيل القطب الإخواني، ثم تأتي سلطات السيسي لتصادر جنازته، وتمنع الناس من المشاركة في تشييعه، وتظهر العين الحمراء لكل من يفكر في وداع الرجل الذي بدأ حياته محارباً في صفوف المقاومة الفلسطينية ضد قيام الكيان الصهيوني.
في مقاله المنشور بصحيفة"الوطن"، التي يمكن اعتبارها"برافدا" نظام السيسي، كما كانت البرافدا الأصلية، بالنسبة إلى نظام جوزيف ستالين، أيام الاتحاد السوفييتي السابق، قال عماد جاد نصاً "علينا أن نعترف بأن إسرائيل لعبت دوراً مهماً فى دعم ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو".
هي لحظة صدق نادرة، من كاتب كان، ولا يزال، ترساً في ماكينة أكاذيب عملاقة، تشتغل لشيطنة كل خصوم نظام الثلاثين من يونيو ومعارضيه، فأطلق هذا الاعتراف المدوي، الذي لم يضف جديداً لاعترافات وتصريحات غزيرة، وردت على ألسنة جنرالات وساسة وإعلاميين صهاينة، من جميع المستويات، من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، مروراً بوزراء حاليين، وصولاً إلى بنيامين نتنياهو ذاته. "
من اعتراف عماد جاد، واغتيال مهدي عاكف، بالمنع من العلاج، تتكون المعادلة المصرية الجديدة، وفقاً لكيمياء الثلاثين من يونيو: إقصاء الإخوان، وثورة يناير، مقابل إدماج إسرائيل
أداء عبد الفتاح السيسي، شخصاً ونظاماً، منذ ذلك اليوم البائس قبل أربع سنوات وشهرين، إلا قليلاً، يتمحور حول رد الجميل لإسرائيل، بالقول والفعل، من زيارات معلنة لوزير خارجيته، سامح شكري، إلى زيارات السيسي السرية، واستقباله، السري أيضاً، للصهاينة الكبار في قصر الاتحادية، بحيث تبدو قاهرة السيسي الرسمية في وضعية سداد فواتير مستمرة لإسرائيل، ومن ثم، بالنسبة لكاتب هذه السطور، لم يفاجئني اعتراف جاد، أو بالأحرى، تأكيده للمؤكد؛ كما لا أعتبر ما كتبه شطحة قلم، بل إن الأرجح عندي أنها مقصودة ومتعمدة في هذا التوقيت بالذات، الذي قررت فيه القاهرة الخروج بعلاقتها الخاصة بالكيان الصهيوني من الغرف المغلقة إلى عرض الطريق، تشبثاً من سلطة السيسي بطرف ثوب إسرائيل، صاحبة النفوذ والحظوة، دولياً وإقليمياً، ومصدر السلطة وداعمتها، في مصر، ومن يلف لفها من عواصم تعلمت من نظام السيسي من أين تؤتى، أو تأتي، السلطة.
من اعتراف عماد جاد، واغتيال مهدي عاكف، بالمنع من العلاج، تتكون المعادلة المصرية الجديدة، وفقاً لكيمياء الثلاثين من يونيو: إقصاء الإخوان، وثورة يناير، مقابل إدماج إسرائيل، أو الأدق الذوبان والاندماج فيها، وهي معادلة لاحت مبشراتها منذ صيف 2014 مع العدوان الإسرائيلي على غزة، وسط حفاوة رسمية مصرية، انتقلت إلى شعب جنرال الانقلاب الذي لم يجد في الغارات الصهيونية المستمرة على غزة سوى مناسبة لطرح سؤال: لماذا لا يستنسخ نظام السيسي ما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لكي ينفذه مع المعارضين، (الإرهابيين الخونة الإخوانجية) إلى آخر هذه القائمة الطويلة من مفردات قاموس الفاشية المشتعلة في حطب مصر، كما وصفتها في ذلك الوقت، أو يمكنك القول إنها الوطنية الجديدة، الملوثة بكل عوادم الانحطاط السياسي والقيمي، والمقررة في مناهج التعليم والإعلام، أو بكلمة واحدة: صهينة الوجدان المصري؛ تلك التي دفعت بصحيفة عجوز" الأهرام" لتنهش جثته، قبل أن يدفن، وتصف نضاله وجهاده في أربعينيات القرن الماضي، ضد قيام إسرائيل، بأنه"نشاط إرهابي".
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أضف تعليقك