توفى الشهيد محمد مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين، فى سجون النظام الانقلابى على ذمة قضية ملفقة هو منها براء، والمعروفة إعلامياً "بأحداث مكتب الإرشاد" وقد صدر بحقه حكم بالمؤبد، ولكن ألغته محكمة النقض، في يناير الماضي.
الشهيد محمد مهدى عاكف، انخرط فى أربعينيات القرن الماضى، في الحركة الطلابية المقاومة للاحتلال الإنجليزي فى منطقة القناة ، وعايش محن جماعة الإخوان المسلمين على يد الطغاة والمجرمين، منذ عام 1954وحتى الانقلاب العسكرى 2013، فحُكم عليه بالإعدام في عهد الطاغية عبد الناصر، ثم خُفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
وبعد أن خرج من السجن عام 1974، في عهد السادات، عيّن في وظيفة حكومية خاصة برعاية الشباب، ثم انتقل إلى السعودية، ليعمل مستشاراً للندوة العالمية للشباب الإسلامي.
وفى عام 1980 سافر إلى ألمانيا، حيث عمل مديراً للمركز الإسلامي في ميونيخ.
عاد إلى مصر، وانتخب عضوا فى البرلمان عام 1987, وعضوًا بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ثم مرشدا عاما للجماعة بعد وفاة المستشار المأمون الهضيبي رحمه الله.
وعندما انتهت ولايته كمرشد عام للجماعة في يناير 2010، رفض إعادة انتخابه مرشداً، وترك المنصب لينتخب الدكتور محمد بديع مرشداً عاماً0.
وقد اختير محمد مهدي عاكف يرحمه الله، فى المرتبة الثانية عشرة ضمن خمسين شخصية مسلمة مؤثرة فى عام 2009 فى كتاب أصدره المركز الملكي للدراسات الاستراتيجية الإسلامية بالأردن حول أكثر خمسين شخصية مسلمة مؤثرة فى عام 2009.
وبعد الانقلاب العسكرى، ألقى القبض على عاكف، وأودع السجن, وتدهورت صحته، وأصيب بالسرطان وانسداد في القنوات المرارية، وفى آخر رسالة له قال فيها:
أنا مش خايف من الموت .. أنا خايف على مصر.
ولكن النظام الانقلابى لم يكتف بالتنكيل بالشيخ التسعيني، أثناء اعتقاله، ومنعوا عنه العلاج، أو نقله للمستشفى، وكم راودوه على أن يكتب اعتذاراً أو يطلب استرحاما من قائد الانقلاب ليحصل على عفو رئاسى، أو صحى أو ماشابه، ولكن الشيخ لم تلن له قناة، ولم يستجب لهذه الضغوطات، وبالرغم من مرضه الذى أعجزه عن الكلام، كان يشير بيده: لا.. لا .. لا.. حتى لا ينال الظالمون منه كلمة أو موقفا يدلسون به تاريخه الناصع.
وبعد وفاته فى سجنه، تفنن النظام الانقلابى فى الانتقام منه حياً وميتاً، وكما يقول أحد شهود العيان لجنازة الشهيد محمد مهدى عاكف:
تحول العنبر الموجود فيه جثمان الشهيد، إلى ثكنة عسكرية لا يتم التحرك فيه أو في مستشفى قصر العيني الفرنساوي، إلا بأمر من الأمن، حتى أن المحامي محمد سالم كان مقيد الحركة إلا بإذن الأمن وكان يقوم بإنهاء تصاريح الدفن.
وعندما ذهبت لفتح المقبرة، بالتنسيق مع ابنة الاستاذ عاكف، وكان قد أوصى أن يدفن بجوار الأستاذين عمر التلمساني ومصطفى مشهور, المرشدين السابقين, والحمدلله نفذت وصيته، فوجئت بأن المقبرة والمقابر جمعيا محاصرة، وعبارة عن ثكنه أمنية، حتى أن قيادات الأمن الموجوده اصطحبتني حتى داخل المقبرة، مع التنبيه عليّ بعدم التصوير.
وعلى الرغم من أن اليوم هو الثاني من محرم والجو معتم، إلا أنني اشهد الله أن المقبرة كانت مضاءة، وكان مصدر النور من السماء وأحسست أن هناك احتفالا في السماء وقلت ذلك لرجال الأمن ذلك فسكتوا.
وقد قام بتغسيله زوج ابنة اخته، ولم يسمح الأمن إلا له بحضور الغسل.
وقام بالصلاة عليه داخل مصلى المستشفى خمسة رجال؛ زوج بنت أخته والمحامي وثلاث رجال من الداخلية, وأربع سيدات هن زوجته وابنته وأخريان.
وبعد الصلاة على روحه الطاهرة، قالت زوجته الاستاذه وفاء عزت؛ شقيقة الدكتور محمود عزت: مت يا حبيبي كما كانت وفاة أستاذك البنا وتشيع كما شيع معلمك البنا رحمة الله عليك.
وظلت قوات الأمن مسيطرة على الجثمان الطاهر وتحتجزه، ولا تسمح لأحد بالاقتراب منه، حتى حمله ومصاحبته حتى المقابر، هم من قاموا بذلك ولم يسمحوا لأحد بمصاحبته من المستشفى, حتى كانت زوجته أو ابنته.
وأثناء انتظارنا وصول الجثمان للمقابر، تحولت المقبرة ومنطقة المقابر إلى منطقة محاصرة بقوات الأمن المركزي والمدرعات، فضلا عن وجود كافة رجال الأمن؛ قوات خاصة وأمن وطني والمباحث العامة لشرق القاهرة، وعند اقتراب وصول الجثمان الطاهر قامت قوات الأمن بإخراجي من المقابر وعدم السماح بالاقتراب من المقبرة وتم فرض كردون أمن مركزي على مدخل المقبرة، وأدخلوا السيارة التى تحمل الجثمان من مكان آخر حتى لا نحضر الدفن ولا نراه.
وعندما تنبهنا لذلك قمنا بمحادثة القيادات الأمنية الموجودة، فلم تسمح إلا لزوجته وابنته والاستاذ عبد المنعم عبد المقصود المحامي.
تم الانتهاء من الدفن الساعة الثانية عشرة مساء الجمعة وتركنا قوات الأمن تحاصر المكان على حالها.
وأثناء الدفن قام الأستاذ خالد بدوى بالدعاء ونحن نؤمن خلفه.
رحمك الله يابطل .. ما غيرت وما بدلت, وبقيت ثابتاً على العهد بطلاً شجاعًاً صابراً محتسباً.
أضف تعليقك