• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كان بوسع محمد مهدي عاكف أن يخرج من السجن بكل بساطة، عبر كتاب استرحام لقائد النظام، بل كان بوسعه أن لا يدخله من الأصل، وما كان عليه لقاء ذلك سوى أن يجري مقابلة صحافية ينتقد فيها أداء القيادة الإخوانية، أو يهاجمها في شأن كان له فيه رأي آخر، مثل الترشح للانتخابات الرئاسية مثلاً، فضلاً عن أن يذهب أبعد من ذلك بكثير، كما رأينا في سقوط أناس من أمثال محمد حبيب أو كمال الهلباوي أو مختار نوح، لكنه آثر الصدق، ومع الصدق العزيمة والإرادة، فظل شامخاً حتى أتى أمر الله، فكانت الخاتمة الرائعة، والرحيل إلى حيث لا تعب ولا نصب ولا ظلم، في انتظار أن يحكم الله بينه وبين الجلادين من كل العصور التي عايشها، هو الذي قاتل في فلسطين، وسُجن أيام الملك فاروق، ثم عبدالناصر، ثم السادات، ثم حسني مبارك، إلى فصله الأخير الذي انتهى قبل أيام.

«من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا»، آية عظيمة تعبر فيما تعبر عن هذا اللون من الرجال الذين يواجهون بالدم سيوف القتلة، وبالعزيمة والإرادة بطش الجلادين، وبالصبر والصمود يهزمون اليأس ويزرعون الأمل.

يشاء الله عز وجل أن يقضي محمد مهدي عاكف نحبه في مطلع سنة هجرية جديدة، وقد كان رحمه الله من الذين هاجروا إلى ربهم بكل كيانهم، فقضى حياته في سبيل رفعة دينه، ويشاء الله أن يرحل في ذات اليوم الذي يخرج فيه سياسي وكاتب من أتباع النظام (عماد جاد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات) بمقال يدافع فيه عن لقاء السيسي الأول (علناً) مع نتنياهو في نيويورك، عبر التذكير بفضائل إسرائيل بالقول يجب أن «نعترف بأن إسرائيل لعبت دوراً مهماً في دعم ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو، ومارست الوفود التي أرسلها بنيامين نتنياهو ضغوطاً كبيرة على أعضاء في الكونجرس، من أجل تبني رؤى موضوعية تجاه الأحداث في مصر».

ولا حاجة هنا لاستعادة خطاب السيسي في نيويورك، وما انطوى عليه من مواقف مثيرة فيما يتعلق بالصراع مع العدو الصهيوني والموقف منه، فقد قلنا مراراً منذ الانقلاب إن ثمن عمل نتنياهو مقاول علاقات عامة للانقلاب سيتمثل في مواقف سياسية وأمنية كثيرة، تابعنا فصولها من قبل.

قد يبدو أن ذلك لا صلة له بموت محمد مهدي عاكف، لكنها قضية واحدة في واقع الحال، فحين يصطدم أي نظام بشعبه، سيكون عليه أن يصافح عدوه كي يحصل على بعض القوة والشرعية، وحين يقرر استهداف أكبر قوة سياسية في المجتمع بالسحق، فعليه أن يتصالح مع العدو أيضاً، وقبل ذلك عليه أن يعسكر المجتمع برمته، فيغلق منابر الحرية بكل ما أوتي من قوة، ويمارس البطش على كل صعيد، بما في ذلك الاستقواء على رجل تسعيني كان ينتظر الموت.

أمام مشهد من هذا النوع، تظهر معادن الرجال الذين يدركون طبيعة الظرف من حيث صعوبة الانتصار على نظام أمني يدعمه الخارج بكل ألوانه وتناقضاته، لكنهم يسجّلون بصبرهم وصمودهم شهادات ونماذج للزمن تؤكد أن هناك من يقولون لا، ويصبرون ويدفعون الثمن، ما يصنع الوعي الذي يوقظ الناس من جديد، كي يواجهوا الظلم كما واجهوه من قبل.

سلام على محمد مهدي عاكف، وعلى من يواجهون الظلم بإرادة الرجال في سجون الطغيان، وما أكثرهم في هذا المدى العربي المعجون بالظلم والقهر.

* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني

أضف تعليقك