منذ وقوع الانقلاب العسكري المشؤوم، وهناك مجموعة من المنهزمين نفسياً، يستغلون كل حادثة، لتوجيه سهام النقد والاتهام والتجريح لقيادة الإخوان واتهامهم بالعجز والتقصير وعدم الرؤية.
من هؤلاء محمد إلهامي؛ الذى اتهم قيادة الإخوان في رابعة العدوية بأنهم كانوا فاشلين، الذي استغل مؤخرًا حادثة وفاة الشهيد؛ شيخ المجاهدين، محمد مهدي عاكف، في سجون الانقلاب، في زنزانته وحيدا بلا جنازة ولا مراسم عزاء، كما حدث مع شيخه الإمام البنا في العهد الملكي.
وعلى الرغم من أن عاكف نعاه المعارضون والمؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين على حد سواء، لكن محمد إلهامي، أراد أن يسبح عكس التيار، عملاً بمنطق “خالف تعرف”، كما ذكر ابن الجوزي حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه؛ إذ بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان من الحُجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!
ومع شناعة هذا الفعل وفظاعته، إلا أن هذا الأعرابي قد سطر اسمه في التاريخ رمزاً للحماقة والنزق, في طلب الشهرة، والبحث عما يثير اهتمام الناس بالغريب من الأقوال أو الأفعال!
وللأسف أصبح فعل الأعرابي في زمزم سُنّة يحتذي بها بعض من استحسن فكرته، في ظل الوسائل الإلكترونية، حيث أصبح لفت الانتباه وإثبات الذات فرصة لبلوغ الشهرة والوصول إلى رغبات القراء!
بعد أن تحدث إلهامي عن الشهيد عاكف حديثاً لا يخلو من بعض الإيحاءات قال: أعرف أن المجاهد لا يلزم أن يرى النصر والتمكين، ولكن: هل هو صحيح في شأن الكيان والجماعة والمجموع؟! من واقع ما أعرفه من التاريخ أن الأمر ليس كذلك، وأن الدعوة تصل إلى السلطة (وكل دعوة غير أو إصلاح تستهدف السلطة لأن السلطة هي أهم وأقوى وسائل التغيير) في عمر مؤسسها أو في حياة تلاميذه، فإن مضى عليها الجيل الثاني يكون قد فاتها الوقت، وبدأت في الجمود وفي أول طريق الشيخوخة.
واستغل حادثة خروج محمد حبيب من الجماعة، وأنه أصبح سهماً مسموماً في خاصرة الجماعة، لكى يصل من خلال ذلك إلى الطعن في ركن السمع والطاعة قائلاً: أول من طعن الشهيد بعد موته كان نائبه في منصب المرشد العام، إنه محمد حبيب، لقد بدا من الرجل ما لم يكن يتوقعه منه أحد من أعضاء الجماعة ولا من أنصارها.
ويضيف: إن السمع والطاعة والثقة للقيادة من أركان أي عمل تنظيمي لا شك، وبغيرها لا يكون للتنظيم ولا للعمل الجماعي معنى، لكن بين تلك الأمور وبين التسليم المطلق للقيادة والثقة فيها مساحة واسعة وشاسعة وواضحة.
إن القيادة التي كان فيها عاكف هي نفسها التي كان فيها محمد حبيب، فهل كان ينبغي أن يبذل لهما نفس السمع والطاعة والثقة؟!
إنه ليس أفضل من أبي بكر وعمر، وكلاهما لم يطلب من الأمة طاعة مطلقة ولا بذلت له الأمة ثقة مطلقة، فقد عورضا واحتُجَّ عليهما واستمعا بل وطالبا بالنصح والتقويم وأعملا الشورى ونزلا عليها.
وهذا من التجني أيضاً، فمن قال إن الجماعة تطلب من أفرادها الثقة المطلقة؟ ومن قال إن الطاعة عند الأفراد طاعة مطلقة؟ وكل من انتسب إلى هذا الصف المبارك لم يجبره أحد على ذلك، ونحن نعلم سلفا أن الانتساب لهذا الصف وسيلة وليست غاية، لأن الغاية هي رضا الله، كما نسي أن الطاعة في المعروف، ولا يمكن لجماعةٍ اللهُ غايتُها أن تأمر أتباعها بمعصية, معاذ الله، فالطاعة في المنشط والمكره وليست في المنشط فقط كما يريد البعض. ثم ما معنى قول عمر رضى الله عنه, حين تَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبِنَاءِ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ، الْأَرْضَ الْأَرْضَ، إِنَّهُ لَا إِسْلَامَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَارَةٍ، وَلَا إِمَارَةَ إِلَّا بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفِقْهِ، كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ، كَانَ هَلَاكًا لَهُ وَلَهُم.
ومع ذلك يستمر في تعريضه بالقيادة، واتهامها زوراً وبهتاناً قائلا: وإن القيادة التي كان فيها عاكف الزاهد في المنصب والحائز لأول مرة على لقب “مرشد سابق” هي القيادة نفسها التي يستمسك فيها بالمنصب من لم يأتِ باختيار ولا شورى، أحدهم في مخبأه بمصر، والآخر في اسطنبول، والثالث في لندن .. وثلاثتهم لم يخترهم أحد، وثلاثتهم لم يبق في مكانه إلا بحكم المال والعلاقات، وثلاثتهم يتعامل مع معارضيه بالفصل والتجميد!
إلى أن يقول: فهل حقا كانت قيادة الإخوان “قيادة ربانية” كما يحب أنصارها أن يصفوها؟! وهل القيادة الربانية تُلدغ من الجحر الواحد مرات ومرات؟! هل القيادة الربانية تأتي لمن تقودهم بمثل ما نراه ونعاينه من نتائج؟ هل كان ينبغي أن تحصل على ما كان لها من الثقة والسمع والطاعة بغير محاسبة ولا مساءلة ولا مراجعة؟ وهل يجب أن ننتظر النهايات لنرى من هو الرباني الذي يموت موتة عاكف من غيره الذي إن لم نر تحوله كحبيب والهلباوي فربما رأيناه في وثائق ومراسلات أمنية بعد سنين!
وهذا كلام مرسل ليس عليه دليل، مثله مثل دعاية أن الإخوان يستعذبون السجن، وأنهم يضحون بشبابهم، وبدلا من أن يوجه الشباب إلى السير على درب عاكف وبديع ومرسي، في ثباتهم في وجه الطغاة، راح يحرض الشباب على قيادات الجماعة!
وهل حين بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو المؤيد بالوحى القراء في حادثتي بئر الرجيع وبئر معونة، واستشهدوا جميعاً، هل قال أحد من الصحابة إن القيادة لدغت من جحر مرات ومرات!
للأسف لا يدرك هؤلاء، أنها حرب عالمية صليبية صهيونية، وأن أعداء الإسلام لا يقبلون بتولي الإخوان المسلمين الحكم في أي قطر من الأقطار؛ لأن لديهم مشروعا إسلاميا حضاريا من شأنه أن يغير وجه المنطقة بأسرها.
كما أن نجاح الإخوان وبقاءهم في حكم مصر يعني زوال دولة الاحتلال الصهيوني.
فلمصلحة من الانسياق انسياقا خلف ما تبثه كتائب مخابرات الانقلاب وشؤونه المعنوية من شائعات، لتشويه صورة قيادة الإخوان؟
أضف تعليقك