دخلتُ سجن الزقازيق العمومي في يناير 2014 بعدما قضينا فترة في قوات الأمن ، وقبل ترحيلنا من معسكرات قوات الأمن إليه كان مجهولًا بالنسبة لنا ، وكنا نحسبه من السوء بشكل كبير ، والحقيقة أنه كان كذلك ، إلا أنه كان يغُل يد السجانين عنا الحراك المستمر والقوي في الشوارع والميادين المصرية ، وكان اشتعال الجامعات بالثورة والمظاهرات ظهيرًا قويًا لنا ، وقد كنا نعرف حجم الحراك في الشوارع والميادين والجامعات من أسلوب تعامل مباحث السجن وإدارته معنا ، فكلما لانت معاملتهم عرفنا أن الحراك قويًا ، وكلما بدت علامات القسوة والشدة في المعاملة ، نتحسس أخبار الحراك فنعلم أنه بالفعل ضعيف.
وبالرغم من ذلك إلا أنهم كانوا في كثيرٍ من الأحيانِ لا يستطيعون كبت جماح نفوسهم الخبيثة ولا يستطيعون السيطرة علي شهوتهم في التنكيل والتعذيب وممارسة ذلك علي المعتقلين وحتى علي ذويهم أثناء الزيارة ، فكانت تنفلت منهم أعمال خبيثة وتعذيب شرس ، ويأتي اللواء محمد علي من مباحث مصلحة السجون ومعه زبانيته ليسوموا المعتقلين العزل سوء العذاب وينكلوا بهم في سادية مطلقة وتشفي لا مثيل له وكأنهم قد وجدوا ضالتهم في تعذيبنا.
وكنا نحن نتعامل معهم بأنفةٍ وبكبرٍ هم يستحقونه .
وكانوا هم في كثيرٍ من الأحيان يداهنوننا ، ولكن غالباً ما كانوا يستقون علينا ودائمًا ما كانت صدورهم تضيق بنا وبشموخنا وبثباتنا وبصمودنا.
وفي عز الثورة وفي عز الحراك ولأنهم شعروا أن ضابطًا منهم قد انتُقصت كرامته أمام المعتقلين حينما أراد أن يفرض سيطرته علينا ويحرم ثلاثة طلاب من حضور الامتحان وترحيلهم حتي يتمكن من ذلك ولكنه فشل في ذلك أمام هتافات المعتقلين من داخل الزنازين وتوحدهم وإحداث ضجيجًا هز الدنيا وسمعت به كل الدنيا وحضر مدير الأمن ورضخ لقوتنا ونحن الأسرى وأمر بإعادة الطلاب المُرحلين من الطريق مرغمًا ، فتبعثرت كرامة مفتش مباحث سجون شمال الدلتا حينها وكان مقره في العمومي في الزقازيق وكان أحد الكلاب الذين يكرهون السياسيين ويتعامل معهم بعنجهية منقطعة النظير ، بعد أن تبعثرت كرامته ولم يستطع تنفيذ غله وحقده وترحيل الطلاب ليحرمهم من أداء الامتحان ، كان لا بد من انتقام وتنكيل وتعذيب يلملم به كرامته المُبعثرة ، ويعيد به الهيبة التي تسربت من بين يديه وهو أشبه ما يكون بالهر العجوز.
كانت هذه الأحداث يوم جمعة ، والزنازين لا تُفتح إطلاقًا أيام الجمعة وأيام الأجازات الرسمية مهما طالت وتواصلت.
جاء السبت وحضر مأمور السجن إلي عنبر ب ورق في حديثه معنا وكانت ابتسامته لا تغادر وجهه ، والحقيقة أنه كان رجلًا دمث الخُلق بخلاف ضباط مباحث السجن ، واتفق مع مسئول العنبر علي اجتماع مع الإدارة ومسئولي الزنازين العشرة في مكتبه وكنت واحدًا من الحضور ، وبالفعل تم الاجتماع في حضور المأمور ونائبه وضباط المباحث وتم تصفية كل الأمور وكنا نحن المعتقلون كمن كسب جولة كبيرة في هذا الصراع المستمر وبدا علي وجوه ضباط المباحث الحنق والحقد والحسد ووغورة الصدر ، إذ كيف يُهزم وهو الجلاد ، وكيف يتفوق عليه هؤلاء المعتقلون وهو يستطيع قتلهم إن أراد ولكنه الحراك اللعين الذي يقض مضاجهم ويجعله يقبل الهزيمة في مرارة.
وعدنا بعد انتهاء الاجتماع الذي طال وقت انعقاده إلي الزنازين منتصرين غانمين.
ولكن كيف يصمت المجرمون وينبطحوا أمام إرادة المعتقلين وكيف تُتْرك كرامتهم مبعثرة هكذا تتقاذفها أرجل الأحرار يمينًا وشمالًا.
ظننا أننا انتصرنا ، ولكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة ففي صبيحة يوم الأحد كانت صبيحة سوداء فكانت بمثابة فض اعتصام سجن الزقازيق ، جاءوا بجحافلهم وبكلابهم وفعلوا بنا الأفاعيل ، اقتحموا علينا الزنازين والكل نيام وسامونا سوء العذاب ، واختاروا فريقًا منا وغربوه إلي سجون أخري بشكل عقابي مهين ، وفريقًا أودعوه زنازين التأديب اللا إنسانية ، وكلبشوا قادتنا بالداخل كلبشة خلفية في شكل مهين وكانوا يلقوهم لينزلقوا علي السلم الحديدي النازل إلي إدارة العنبر.
وهم يتعمدون ذلك لكسر نفوسنا وبث الرعب فيها حينما نجد القادة المسئولين عنا والذين يتعاملون مع المباحث كتفًا بكتف ، في مثل هذا المشهد المُهين.
ولكن الحراك القوي بالخارج وضغط رابطة أسر المعتقلين وإضرابنا بالداخل عن استلام التعيين وعن الزيارات لمدة عشرين يومًا ، جعلت إدارة السجن تأتي مرارًا وتكرارًا لتتصالح معنا وتعتذر لنا عن غشومية الداخلية علي حد تعبير نائب المأمور حينها.
ولكن ما الحال اليوم مع إخواننا في نفس السجن ومع نفس الوجوه العفنة ونفس الغل والحقد والحسد والمعاملة القذرة للمعتقلين والافتئات عليهم وعلي ذويهم ، وممارسة كل أشكال العنف وألوان التعذيب والتهديد صراحة من رئيس مباحث السجن بأنهم لن يخرجوا أحياءً وأنهم سيقتلوهم جميعاً في المعتقل ... مش انتوا عاملين رجالة... هكذا يقول بلغة واضحة ولهجةٍ واثقة ويفعل ما يهدد المعتقلين به علي مرأي ومسمع من كل العالم وعلي مرأي ومسمع من كل منظمات حقوق الإنسان.
ماذا يفعل المعتقلون في غياب أو ندرة الحراك ومحدوديته ، والذي كان ظهيرًا قويًا لنا ، ماذا يفعل أسر المعتقلين وهم مضطهدون جملة وتفصيلا .
هل سنترك إخواننا وفلذات أكبادنا في براثن الشيطان وبين أنياب كلاب يَسْتَقْوُون بجحافلهم علينا.
يا رب من لإخواننا في سجون الظالمين وفي سجن الزقازيق العمومي.
تحدثوا عنهم ، عرفوا الناس بمدي القهر والتعذيب الذي يتعرضوا له ، هم وذويهم.
لا تتخاذلوا عن نصرتهم ولو بالكلمة.
أضف تعليقك