كان أكتوبر بالنسبة لكل من شارك في الحرب وتحمل آلامها ومصابها
ولكل أسرة فقدت شهداء فيها
ولكل بيت مصري وعربي انتظر يوما يعبر فيه جنود مصر البواسل للضفة الشرقية لقناة السويس مناسبة جديدة للتأكيد على الحق في مقاومة كل احتلال أو تدخل في شئونه..
وجاء يناير ليحمل ممارسة لحق آخر هو حق مقاومة الطغيان..
وهو الحق الطبيعي الذي لا يُمكن لأي تشريع أن يلغيه أو لأي دستور أن يُسقطه..
ومع ذلك كرسته المواثيق الولية والإعلانات الحقوقية والدساتير الوطنية..
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة الثالثة من التمهيد أقر حق كل مواطن في الثورة على الطغيان والقهر حال عدم وجود نظام قانوني يحمي حقوق وحريات المواطن.
بينما أن الحقوق الأربع الطبيعية للإنسان وفقا لإعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 هي:
الحرية وحق التملك والحق في الأمن والسكينة و"الحق في مقاومة الطغيان" le droit de résistance à l'oppression
وتحمل غالبية الدساتير – بما فيها الدساتير المصرية – نصا يتضمن هذا الحق كالنص على أن "السيادة للشعب يُمارسها ويحميها" م 5 دستور 2012/ 4 دستور 2014.
وكذلك ما ورد بنهاية تمهيد دستور 2012 "مؤكدين عزمنا الأكيد على العمل به والدفاع عنه"، بما يعني أن الشعب هو من يدافع عن حقوقه الدستورية التي منحها لنفسه.
وبالتالي فإن كل شعب مقهور مهدور الحقوق، إن لم تسعفه عزيمته على رفض القهر والهدر فإن كل تشريعات الدنيا ودساتيرها لن تسعفه..
فالشعب هو القاضي الأكبر وهو الدستور الأبدي الذي يقرر ما يتوافق معه وما يتنافى معه، فيستمسك بما وافقه ويلفظ ما يناقضه..
وتمثل الثورة أعلى درجات مقاومة الطغيان، بينما العصيان أدنى دراجاته..
وبين الدرجتين، تأتي التظاهرات والإضرابات والاعتصامات ومقاومة القرارات التعسفية بتوقيف الأشخاص أو القبض عليهم، ومحاصرة المعتقلات أو مراكز القمع.. ألخ
ومن المنطقي أن السلطات القمعي تستخدم التشريعات لتسلب الشعب حقه في المقاومة، فتحظر التظاهرات أو تجرم الإضرابات أو تعاقب على العصيان، لكن كل تلك التشريعات تقع باطلة غير متوافقة مع مبدأ المشروعية ، سواء الدستورية التي تمنع تقييد الحريات، وتقتضي من اي تشريع ينظم أي حقٍ أن لا يصل في تنظيمه إلى تقييد ممارسته.
أو الشرعية الشعبية التي هي أعلى درجات الشرعية، والتي ينظم الدستور والتشريعات المكملة كيفية التعبير عنها بالاستفتاءات أو الانتخابات طالما كانت نزيهة وجاءت في ظل منظومة سياسية تحمل ضمانات عدم تشويهها وبظل نظام سياسي لا يُمارس القهر على شعبه.
أما إذا غابت الشروط الأساسية للتعبير عن الشرعية الشعبية باستفتاءات أو انتخابات، فإن الشعب لا يظل عاجزا، وإنما يستعمل بقية الأدوات التي يملكها لإجبار السلطة على احترام حقوقه أو لفرض شرعيته التي يمنحها القبول والرضا.
الشعب الحي ليس فقط لذي تخلص من كل احتلال وكل طغيان، بل هو أيضا الشعب الذي لا يتخلى عن حقه في مقاومة أي احتلال وأي طغيان..
وشعبنا الذي خاض أربعة حروب وقام بثورتين كبريين خلال مائة عام (1919 و 2011) لن يتنازل ..
لا عن حقه في قطع دابر كل متدخل في شئونه محتل لأرضه أو مستحوز على خيراته..
ولا عن حقه في مقاومة كل طغيان وقمع يسعيان لتجريده من كرامته وحريته وسرقة مقدراته ومصادرة مستقبلة..
ودور كل مثقف أن يوقظ روح المقاومة في شعبه.. لا أن يدعوه لاحتقار أيام عزه ومجده.. والاستسلام لروح الهزيمة وللدعاية المغرضة بأنه شعب عاجز لا يقاوم.. فلا نصر صنع ولا بثورة نهض..
تحية لكل أبطال اكتوبر
ولأبطال يناير المجهولين والمعتقلين..
أضف تعليقك