• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

قلها ولا تخف، أنك تعتذر عن الظهور على شاشة قناة «الجزيرة»، لأنك خائف من أن توضع في قائمة معارضي الحد الأقصى، عندئذ تحل عليك لعنة النظام الانقلابي، وأنك تريد أن تلعب «في الأمان» النسبي، ولا تريد أن تذهب بعيداً!

في يومين متتاليين، ناقشت قناتي «الجزيرة مباشر»، و»الجزيرة» العربية أو الإخبارية أو «الجزيرة الأم»، التنكيل الذي تعرض له «خالد علي» المرشح الرئاسي السابق في مصر، على يد النظام الانقلابي، وفي غيبة المعني بالموضوع، الذي يعد من طائفة من السياسيين المصريين لا تزال إلى الآن، ترفض الظهور على شاشة «الجزيرة» بعد أن تبين لها الرشد من الغي، وثبت لها بحكم قضائي يحوز قوة الأمر المقضي به، أن عبد الفتاح السيسي فرط في التراب الوطني مع سبق الإصرار والترصد، فلم يكن هو جمال عبد الناصر، الذي جاء على قدر، لينقذ هوية مصر من «الضياع الاستراتيجي» الأخ غير الشقيق لـ «الخيار الاستراتيجي»!

«الجزيرة مباشر»، ناقشت ما يتعرض له «خالد علي» من تنكيل في برنامجها «المسائية»، في حين ناقشته «الجزيرة الأم» في برنامج «الحصاد» في اليوم التالي. وقد تمثل التنكيل في صدور حكم من محكمة أول درجة، بإدانة «خالد علي» بتهمة ارتكاب فعل فاضح، هو اشارته بالخنصر، يوم أن حملته الجماهير على أكتافها، احتفالاً بصدور حكم من مجلس الدولة يؤكد مصرية جزيرتي «تيران وصنافير»، وهي صورة تم الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإن لم أجد لها أثراً في كل الفيديوهات المنشورة في يوم الحشد الجماهيري أمام المحكمة، وفي بعض هذه الفيديوهات، نشاهد فيها المحامي «عدلي» مرفوعاً أيضاً، وفي بعضها نجد المرفوع هو السفير «معصوم مرزوق»، ليظل «خالد علي» هو الثابت مع وجود متغيرين، ويلاحظ هنا أن «المحامي الأصيل» في الدعوى «علي أيوب»، لم يُرفع، ولم ينال حظه من الشهرة، على نحو كاشف بأن الجماهير الحاملة للبشر، هم أهل اليسار، ولأن كون «خالد علي» هو الثابت فإن هذا جزء من الدعاية الانتخابية، لواحد تردد أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية القادمة!

قرار السيسي

وهى رسالة وصلت بالخائف من خياله، عبد الفتاح السيسي فاستوعبها، وكان القرار بالتخلص من منافسة المحتمل «خالد علي» بالضربة القاضية، فكان الحكم الذي إذا تم تأييده في محكمة الاستئناف، فلن يجوز له خوض الانتخابات الرئاسية، أو أي انتخابات اخرى، بما في ذلك انتخابات «اتحاد الملاك» في البناية التي يسكن فيها، ولعدة سنوات بعدها يرد إليها اعتباره المختطف.
لا أعرف إن كان القوم في الجزيرتين، «الإخبارية» و»مباشر» اتصلوا بخالد علي، أم أنهم اكتفوا باعتذاراته السابقة، لكن اعتقد أن من فكر في الجزيرتين في مناقشة الحكم، لا بد أن يكون قد تواصل مع «خالد علي» هاتفياً، فلا معنى لمناقشة قضية في غياب المتهم الأول، حتى وإن كانت الأسئلة المطروحة اعتبرت قضية «خالد علي» مدخلاً لقضية تصفية السيسي لأي منافس محتمل في الانتخابات الرئاسية، التي من المقرر أن تبدأ إجراءاتها في «ظرف» أربعة أشهر من الآن، وليس بعد هذا.

ولعل «خالد علي»، تمنى أن يكون هاتفه تحت المراقبة، لحظة اتصال «الجزيرتين» به، وفي يومين متتاليين، لتصل رسالة الاعتذار لأولى الأمر منه، بأنه رغم ما حدث، فإنه لا يزال عند حسن الظن، ولم يصل به الحال إلى أن يكون من معارضي الحد الأقصى، فيعفو ولي أمره ويصفح في الاستئناف، لأن النظام الانقلابي لا يقبل من يظهرون على شاشات «الجزيرة»، ولو لتأييده، ولهذا فإن الذين كانوا – وبعضهم لا يزال – يسبح بحمد الانقلاب العسكري وقائده الهمام على «الجزيرة»، لا يحتفي بهم الإعلام السيساوي، ومنهم من كان يظن أن النظام سيكافئه على «الدفاع الحميمي» باختياره عضواً بمجلس النواب، فلما لم يحدث، أصيب باضطراب نفسي، ومنهم من يستغل أي ظهور، ليترك الموضوع ويهاجم في قطر وفي الجزيرة، ليتقبل النظام الانقلابي بقبول حسن، لكن دون جدوى، ربما الوحيد، الذي يحدث أن يظهر مرة في السنة في إحدى الفضائيات السيساوية، هو «محمود عطية» وباعتباره «رجل بركة»، وهو يسبغ على السيسي من الأوصاف، ما يرتفع به إلى «خادم الحرمين الشريفين». ربما تجري استضافة «سليمان جودة»، لأنه معروف لدى هذه القنوات من قبل الانقلاب العسكري!

قناطير الجزيرة المنقطرة

في بداية الانقلاب، كان هناك من بين السياسيين والصحافيين من يفخرون بأن «الجزيرة» عرضت عليه الظهور على شاشاتها ولكنهم أبوا واستعصموا، وبعضهم كانوا يوسطون من يعرفون لدعوتهم للظهور، وعندما يحدث هذا يرحبون، وفي موعد البرنامج يغلقون هواتفهم، ويكتبون على صفحاتهم على «الفيسبوك» إن «الجزيرة» عرضت عليهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، مقابل الظهور، أو السفر للدوحة، لكن وطنيتهم قد تأذت، وردوا بأغنية «يا حبيبتي يا مصر» للمطربة «شادية»!

وإذا كان من بين هؤلاء من كانوا ضيوفاً على إعلام الانقلاب العسكري، لزوم المرحلة، فلم يعد الانقلاب بحاجة إليهم، فقد كان يريدهم فقط لمسافة السكة، ولم يشفع لهم أن «الجزيرة» عرضت عليهم مغارة على بابا وما فيها من «ذهب وياقوت ومرجان»، فصرخ في الواحد منهم ضميره الحي: «هل ستخون مصر؟!».. فهتف من ضلوعه: أبدا أكلها بالملح الأبيض بدون كمون أو كُسبرة، ولا أخون مصر!
في فترة زواج المتعة، وهو زواج منفصل في قاعدته العامة، كان هؤلاء يجدون البديل في قنوات الثورة المضادة، وكانوا يرون في عبد الفتاح السيسي «الأمل والمنى»، وإحدى المناضلات كانت تضع صورته في سلسلة تتدلى على صدرها، ومنهم من كانت أحلامهم تتجاوز فكرة الظهور التلفزيوني، إلى أن يكونوا من طبقة الحكام، وكنت أقول لهؤلاء: أنتم لستم سوى ضيوفاً على 30 يونيو/حزيران، وأن السيسي يريدكم فقط لمسافة السكة، لكن لم يستمعوا لي!

لقد شكل السيسي حكومته، فأطاح برباعي القوى المدنية في حكومة حازم الببلاوي، «حسام عيسي، وزياد بهاء الدين (قبلت استقالته)، وكمال أبو عطية، بجانب الببلاوي نفسه»، وحرص وهو يشكل برلمانه ألا يكون فيه أحد من هؤلاء، ثم استدار وشكل مجالسه الإعلامية، فاستدعى من طردتهم الثورة من مؤسساتهم الصحافية، بعد أن كان المجلس الأعلى للصحافة في بداية الانقلاب يشكل من أهل اليسار الحليف الاستراتيجي للانقلاب!

ثم حدث الفراق، عندما تنازل السيسي عن «تيران وصنافير»، لحماية الامن القومي الإسرائيلي، وللبحث عن ثغرة تنفذ منها المملكة العربية السعودية لتكون جزءاً من معاهدة السلام مع إسرائيل التي وعد السيسي بتوسيعها، فتبين لهم أنه ليس جمال عبد الناصر، فعلم كل أناس مشربهم!

صنعية الجزيرة

وفي علاقة النظام الانقلابي، بفرقة «عبده مشتاق» كما صورها «أحمد رجب» بريشة «مصطفى حسين»، لم يعد مسموحا لهم بالظهور التلفزيوني، فالمسموح فقط لهم أن يأكلوا عيش، أو ما تيسر من فتات غموسه الذل، واستمر هؤلاء أيضاً يرفضون الظهور على شاشة الجزيرة، ليس وطنية ولكن خوفا، وللدقة جبناً، وبعضهم هم صنيعة «الجزيرة»، وإليها يعود الفضل في نجوميتهم، عندما كانت الصيغة المعتمدة أن مصر بكل اتساعها ليس فيها سوى عشرة أشخاص، هم ضيوفها، يتصادف أن معظمهم من أهل اليسار أيضاً، وظهورهم على «الجزيرة»، كان تذكرة المرور إلى القنوات التلفزيونية المصرية، عندما كان ما يشغل رأس السلطة هو البحث عن سر «خلطة» الجزيرة التي تجعلها تتفوق وهي «علبة الكبريت» على التلفزيون الرسمي، مع أنه يقع في ناطحة سحاب، وهو أمر كان يشغل بالتبعية الإعلام الخاص، فتحول ضيوف «الجزيرة» إلى كتاب في الصحف الجديدة، وإلى ضيوف ومقدمي برامج في الفضائية الخاصة، وبعد الثورة صاروا هم نجوم الثورة والمتحدثين باسمها!
فما الذي تغير، يجعل من الظهور على شاشات الجزيرة ينال من وطنية المرء؟

في الواقع أن ما تغير كان موقع هؤلاء، عندما ظنوا أنهم صاروا حكاماً أو جزءاً من الطغمة الحاكمة، فالجزيرة كما هي من أيام مبارك تعبيراً عن الشعب، وكان مبارك ونظامه يناصبوها العداء، في الوقت الذي كان هؤلاء من ضيوفها المقيمين على المقهى الواقع أسفل مكتبها بالقاهرة!

يقولون إن الجزيرة تآمرت على ثورة الشعب في 30 يونيو/حزيران، مع أن لحظة الهجمة الأمنية لإغلاق مكاتبها، كان البث من ميدان التحرير، وليس من «رابعة»، وكان البث المباشر، فيه «عبد الخالق فاروق».. «ناصري وانقلابي»، و«حسن نافعة».. «ليبرالي وانقلابي»، والمذيعة كانت «نوران سلام»، وهي «انقلابية» أيضاً، وقد قدمت استقالتها من الجزيرة، لأنها تقف ضد ثورة الشعب المصري في 30 يونيو/حزيران؟! فهل وقفت «الجزيرة» فعلاً ضد ثورة (19) بقيادة الزعيم سعد زغلول في 30 يونيو/حزيران؟!

«الجزيرة» كانت مع ثورة الشعب المصري في يناير 2011، وكانت صوت هذه الثورة وصداها، وفي 30 يونيو/حزيران الباسلة كل ما فعلته أنها نقلت وجهتي النظر، ووصفت السيسي بأنه الرئيس المصري، ومحمد مرسي بأنه «الرئيس المعزول»، وقطر قدمت التهنئة لعبد الفتاح السيسي عندما فاز على نفسه في انتخاباته الرئاسية، لكن السيسي كما مبارك، فالأخير كان يعادي «الجزيرة» لحسابات سعودية، والأول يعاديها لحسابات إماراتية، فهو مسير لا مخير، وعندما حصل على عدم ممانعة إماراتية، كان يريد ابتزاز قطر حتى تمنحه رزها المحرم عليه.
ولا بأس، فقد ثبتت لهم الرؤية، وبأن السيسي ليس رجل المرحلة، وليس رمز الوطنية المصرية، وليس مرشح الضرورة، فها هي ثورة 30 يونيو/حزيران الباسلة تلفظ نجوم «الجزيرة» السابقين، وتبين لهم أنها مؤامرة، كانوا فيها مجرد غطاء ثوري للثورة المضادة، فلم يكتف بإبعاد المغفلين إنما ذهب لينكل بهم، ومن شباب ثورة يونيو الجبارة من هم الآن في السجون، فما الذي يمنع من استغلال طاقة مفتوحة للدفاع عن النفس؟ إنه الجبن.

قديما قال حكيم زمانه: الجبن سيد الأخلاق.

أضف تعليقك