عندما سئل جورج أوريل عن الرياضة فقال: الرياضة الجادة حرب من دون إطلاق النار، هكذا تكون الرياضة الجادة، والإسلام حث على الرياضة النافعة، وحبب فيها وأن النبى صلى الله عليه وسلم مارس رياضة المصارعة، فقد ذكرالإمام السيوطي في رسالته (المسارعة إلى المصارعة) عن ركانة بن عبد يزيد وكان أشد الناس، قال: كنت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى إذ قال لي ذات يوم، هل لك أن تصارعني؟، قلت له أنت؟، قال: أنا، فقلت على ماذا؟ قال: على شاة من الغنم فصارعته فصرعني، فأخذ مني شاة، ثم قال :هل لك في الثانية، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، وأخذ مني شاة، فجعلت أتلفت هل يراني إنسان، فقال مالك، قلت لا يراني بعض الرعاة فيجترئون عليّ، وأنا في قوى من أشهدهم، قال: هل لك في الصراع الثالثة ولك شاة، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، فأخذ شاة، فقعدت كئيباً حزيناً، فقال: مالك؟ قلت: إني راجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت ثلاثاً من نعاجه، والثاني أني كنت أظن أني أشد قريش، فقال: هل لك في الرابعة، فقلت لا بعد ثلاث، فقال أما قولك في الغنم فإني أردها عليك، فردها علي، فلم يلبث أن ظهر أمره، فأتيته فأسلمت، فكان مما هداني الله أني علمت أنه لم يصرعني يومئذ بقوته، ولم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره.
ولكن إذا تحولت الرياضة إلى أداة فى أيدى الحكام لاستخدامها كوسيلة لإلهاء الشعوب والتغطية على جرائمهم وفشلهم، فتكون قد خرجت عن أهدافها النبيلة كما فعل الأمبراطور الإثيوبى "هيلاسلاسي" الذى استثمر فوز العداء الأثيوبي "أبيبى بكيلا" بأول ميدالية ذهبية أفريقية في الألعاب الأولمبية، فى الترويج لمواقفه السياسية، والتخلص من خصومه السياسيين، فأعدم بعضهم واعتقل بعضهم، بتهمة التآمر لإفساد فرحة الشعب بفوز البطل الرياضي العظيم!
وفي مطلع سبعينيات القرن الماضى اقترض الرئيس الزائيري، "موبوتو سيسيكو"، من البنك الدولي خمسين مليون دولار دفعة واحدة، ليس لإطعام شعبه الجائع، أولبناء مستشفى، أوبناء مدرسة، ولكن لتغطية نفقات استضافة مباراة فى الملاكمة بين محمد علي كلاي وجورج فورمان!
وفى مؤتمر صحى وجه موبوتو رسالة لمنتقديه، قائلا: إنّ العالم كله سوف يعرف بعد هذه المباراة أن هناك دولة مهمة اسمها زائير، وسوف يأكل الشعب بعدها حتى يشبع!
كما قدّم موبوتو المال من أجل الاستعانة بخبرات المدرب اليوغوسلافي "بلاجوج فيدينيتش"، ومنح اللاعبين مكافأة مجزية عبارة عن سيارات وقطع أرض، ووضع طائرته الخاصة تحت تصرف المنتخب، لنقل الفريق إلى مبارياته خارج البلاد، وكان القصد من وراء ذلك تغطية المآسى التى تعيشها البلاد!
نفس الشيء يحدث فى مصر، حيث يقوم الإعلام الفاسد الذى انتهز فرصة صعود المنتخب للمونديال، كوسيلة لإلهاء الشعب، للتغطية على فشل سياسات النظام الانقلابى، ومخططاته الرامية لتدمير البلاد!
وعلى خطى موبوتو فقد أعلن اتحاد "أبوريدة" رفع راتب مدرب الفريق إلى تسعين ألف دولار فى الوقت الذى يجلس فيه تلاميذ المدارس على الأرض والمرضى يفترشون الطرقات والممرات فى المستشفيات!
وهذا ليس بجديد على النظم الدكتاتورية، فبعد انقلاب يوليو 1952، توجه الإهتمام إلى كرة القدم للتسويق للنظام العسكرى، فقد قام عبدالناصر ببناء استاد القاهرة عام 1958، وسماه استاد ناصر، وتم عسكرة الرياضة، فأصبح رؤساء الإتحادات والأندية والمعلقون والحكام من العسكر!
لكن يعتبر نظام المخلوع مبارك، من أكثر الأنظمة استخداما لكرة القدم لإلهاء الشعب، لتمريرمسلسل التوريث، فقد كان يكثر من حضور المباريات مع نجليه وحرمه، وفى عام 2006 حيث تصادف غرق عبارة السلام 98، والتي راح ضحيتها المئات من المصريين، مع مباراة لمنتخب مصرفي كأس الأمم الإفريقية، مع المنتخب السنغالى، فحضر المباراة متناسيًا الضحايا، وبينما توشحت البيوت المصرية السواد على الضحايا، احتفلت زوجة المخلوع بتقبيل زوجها، ونجح المخلوع فى أن يشغل الرأي العام عن قضية العبارة، بفوز مصر!
كما استغل نظام المخلوع مبارة مصر مع الجزائر فى السودان، حيث حشد الحزب الوطنى المنحل أعضاءه وأعضاء مجلس الشعب والفنانين والإعلاميين للسفر للسودان لمؤازة المنتخب! والنظام الانقلابى الحالى، يحاول استغلال مباريات الكرة للتغطية على الأزمات الطاحنة والفشل الاقتصادى!
والشحن للأسف يبدأ من داخل برلمان العسكر، بعدما ارتدت نائبة تيشيرت المنتخب، وظلت ترقص وتهلل وتتمايل أمام النواب، مرددة أن تاريخ مصر يتوقف على الفوز في مباراة الكاميرون، ولذلك حرص قائد الانقلاب على استقبال المنتخب الخاسر ليكرس ثقافة “عدم المحاسبة” على الفشل، حيث كانت الخطة هى استثمار فوز مصر بالكأس لإلهاء الشعب والتغطية على الفشل الاقتصادي والسياسي، في ظل وصول ديون مصرإلى 80 مليار دولار ولكن خسارة المنتخب أفشلت الخطة!
وفى الوقت الذى يينشغل فيه الشعب بمتابعة مباراة دولية أو محلية، يتم تمريرقرارات مصيرية، كما حدث عندما كان المصريون يشاهدون مباراة مصر وغانا في تصفيات كأس العالم يوم 29 ديسمبر الماضي، فوجئت الجماهير بعد المباراة بإحالة حكومةالانقلاب لإتفاقية بيع تيران وصنافير للسعودية لبرلمان العسكرمتجاهلة حكم القضاء صادر ببطلان التوقيع على الاتفاقية!
ولكن إذا كانت الكرة، هى وسيلة الحكام لإلهاء الشعب، فليعلموا أن شرعية الكرة هى شرعية زائفة لايعول عليها كثيراً، كما قال الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم للدولة: رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تانى لا كرة نفعت ولا أونطة.. ولا مناقشة وجدل بيزنطة!
ولكن متى يفيق الشعب المخدر من سكرته، ليعرف أنه وقع ضحية لأكبر عملية نصب فى التاريخ على يدالنظام الانقلابى!
أضف تعليقك