سألنى محتدًا: أراك معترضًا على استنفار الناس خلف المنتخب، ثم فرحتهم بالفوز على الكونغو والتأهب لتصفيات كأس العالم. لماذا؟!
أنا لا أعترض على الاستنفار أو الفرحة عمومًا، بل أدعو الله دائمًا أن يجعل أيامنا كلها فرحة وسعادة.. إنما الاعتراض على توظيف الحدث سياسيًا، وتضخيمه والتغرير بالناس وإقناعهم بأن هذا الفوز من ضمن إنجازات النظام؛ فالاعتراض على حجم هذا الاستنفار، وعلى خداع واستغلال جماهير مسلوبة الإرادة، وتصوير هذا الصعود -الذى حققته سوريا والسعودية وإيران أيضًا- باعتباره تطورًا وتقدمًا لا يؤتاه إلا دول الصدارة، وأن ثماره سوف تفوق اختراع الطائرة والغواصة؛ فى حين خرجت المحروسة من التصنيف العالمى للتعليم، ونسمع كل يوم عن أنباء خروجها من مجالات أخرى تبعدها عن مسمى الدولة. ولكن هذا (الماتش) والفوز الذى حققه لاعبونا فرصة للخروج من الهموم التى ركبتنا، وبمثابة استراحة من الكوارث التى حلت بنا.
وهل أخرجكم (الماتش) بالفعل من هذه الهموم وتلك الكوارث؟ ربما أخرجكم لمدة ساعتين أو ثلاثًا؛ وهى وقت المباراة وما أعقبها من طبل وزمر ورقص، وهذا يؤكد أنها مخدرات، يتم إعدادها والدعاية لها، وحشد الملايين لتعاطيها؛ لينسوا -كما قلت- همومهم التى أغرقهم فيها هذا النظام؛ وهذا أمر قديم، تعارفت عليه مثل هذه الأنظمة البائسة؛ بإلهاء الشعب فى قضايا تشغلهم عن المعارضة والإصلاح، وتجعلهم شيعًا وأحزابًا، وتفرغ طاقاتهم فى أمور لا تمس السلطة، ولا تهدد النظام، بل ربما دعمته وثبتت أركانه وجعلت من قادته (كاريزمات) لا مثيل لها، وهم فى الحقيقة إمعات مضطربون عقليًا وأخلاقيًا.
وبنظرة سريعة حول ما يتبناه الإعلام المصرى الآن، يتضح لك أن هناك إفراطًا فى استخدام المخدرات السياسية من قبل العسكر؛ ذلك لمن دقق النظر وتابع المشهد بكامله. خذ على سبيل المثال: المعارك الجدلية والخلافية فى الدين التى تثار كل يوم فى هذا الإعلام الموجه؛ قضية جواز معاشرة الميتة، ثم قضية معاشرة البهائم، ثم المعاشرة قبل الزواج، وغيرها. وهناك معارك في هذا الإعلام حول: الشذوذ، تبادل الزوجات، الخيانات الزوجية، قضايا الخلع، وغيرها. وهناك معارك مع قطر وتركيا؛ الغرض منها صرف نظر المواطن عن قضايا الداخل، وشغله بأمور خارجية ومعارك وهمية، وخلق عدو لا وجود له.
وهذه الأمور أمر متعارف عليه بالنسبة للأنظمة الساقطة الفاشلة، التى تعددت مشكلاتها وعجزت عن إدارة شئون البلاد، فتلجأ إلى مثل هذه (المخدرات) لتحويل أنظار الناس عما ترتكبه من جرائم، وما يتلبثها من فشل، على طريقة النصاب الذى يقول لضحيته: (بص العصفورة)، وللأسف شعبنا الطيب لم يتعظ من ماضيه، ولم ينتبه إلى أن هذا الأمر يتكرر من خمسينيات القرن الماضى على يد العسكر، وقد عاش لعقود لاهيًا فى مثل هذه التفاهات، وارجع إلى ستينيات القرن الماضى، واحص عدد المطربين والمطربات، والممثلين والممثلات، وكيف كان الشعب ينتظر جديد (الست) أو (العندليب) أو (موسيقار الأجيال)، فى الوقت الذى كانت فيه إسرائيل تخطط لإزالتنا من الوجود..
إذًا هى ملهاة مقصودة.. وأمر -بصورته التى جرت- يصِمُنا بالجهل والرعونة؛ فلا تجد شعبًا واعيًا يسير وراء مثل هذا السراب، أو يتبع دعاة الوهم، أو يخرج عن وقاره وهيبته -كما فعلنا- لأن (صلاح) أنقذنا بهدفه الرائع. أنقذنا من ماذا؟ ونحن غرقى الديون، مرضى الإنتاج، طعامنا بالقروض، وشرابنا بالقروض، ونصدر بيانًا كل شهر بأن القمح سوف يكفينا خمسة أو ستة أشهر.، فماذا لو قطع المصدرون قمحهم؟.. هل يسترده المنتخب؟ أبدًا والله.. اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدًا.
أضف تعليقك