ماذا يفعل عبد الفتاح السيسي في مصر، سوى أنه يمثل دورا ركيكا، مكرّرا، يقدم فيه الحركات ذاتها، ويلقي النكت نفسها، على مسرح عبثٍ سياسي، بُني على ظهر سفينة، تتخبط في البحر، وتوشك على الغرق، بينما الجميع مستغرقون في متابعة فقرات المهرجين؟
ماذا يصنع هذا الشخص، والإرهاب يمرح، على الرحب والسعة، في سيناء، حاصدا أرواح مزيد من الجنود والمواطنين، فيما هو غارق في أوهام فرادته وهلاوس عبقريته ونبوغه وتفوقه؟
ماذا يقدم سوى مزيد من الاسكتشات الضاحكة في حفلاتٍ للخطابة، يمارس خلالها كل فنون الشعوذة السياسية، وهو يتحدث عن إنجازاتٍ هائلة على مستوى الأمن والأمان والاقتصاد والسياسة والرياضة والتنمية، بينما واقع الحال يقول إن البلاد تغوص في وحلٍ من التبعية والبلادة ومذلة الديون التي تهدد الأجيال القادمة؟
لا معنى لما جرى في العريش أول من أمس سوى احتمالين: إما أن مصر تعيش حالة من الاسترخاء والبلادة، تجعلها تتلقى الضربات في المكان ذاته بالطريقة نفسها، وبشكل متصاعد، من دون أن تظهر أي قدرة على الفعل، أو حتى الإتيان برد فعل مناسب. والاحتمال الآخر أن هذه السلطة سعيدة وراضية بمنجزها الهائل من الخراب على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما لا يجعل فرضية أنها تعرف كيف ومتى تستدعي كابوس الإرهاب لاستثماره في إحكام السيطرة على المجتمع، وإبقائه بين أنياب حالة الطوارئ، فيما هي تمضي في مخططها المرسوم لتحضير مائدة صفقة القرن.
وإلا ما معنى أن الإرهاب ينتقل، بكل حرية، من رفح بعد تحويلها أنقاضا إلى العريش التي باتت تواجه المصير ذاته؟
يتزامن مع استبسال نظام السيسي في عمليات التدمير الديموغرافي، نشاط مكثف لأذرعه الفكرية والإعلامية في تسميم الوعي وتلويثه، تمهيدا لهدمه، فيطل يوسف زيدان، مجدّدا، ليذهب إلى البعد الأعمق في المهمة، مستهدفا الجذور، فيتناول النص القرآني ذاته بالتشكيك والتضليل، بعد مراحل سابقة طالت التاريخ الإسلامي، ووجهت طعناتها إلى المسجد الأقصى، وصلاح الدين الأيوبي.
الآن، يريد يوسف زيدان أن يقول لكم: لا تثقوا كثيراً في القرآن، لأنه لا يوجد قرآن (مصحف) واحد، بل آلاف، وبالتالي لا أحكام قطعية، ولا ثوابت، كما أنه لا مقدسات.
يجلس يوسف زيدان، مثل بالونة منفوخة بالادعاء والغطرسة و"الفهلوة" بمواجهة مذيع منبهر في بلاهة طوال الوقت، يمثل الاندهاش والتصديق، مع كل تهويمةٍ أو تعويذةٍ أو حركةٍ لغويةٍ بهلوانية يأتي بها "المثقف الضخم" من دون التوقف أمام ما يقصف به المشاهدين من قنابل الهواء وعبوات العدم، استثمارا في شهرة هائلة، صنعت له في عالم الرواية التاريخية، سوّلت له العبث بالتاريخ، لمصلحة السلطة الجديدة، بلا حسيبٍ أو رقيب، فلم يجرؤ الأزهر، ولو مرة واحدة، على التصدّي لهذه السفسطة.
هي منظومة واحدة، تتعامل مع يوسف زيدان فكرياً، كما تفعل مع السيسي سياسياً، بالونتان تمسكهما يد واحدة، وتطيّرهما في الفضاء السياسي والمعرفي، وسط صخب الألوان والأصوات، في حالة من هستيريا تصنيع زعامة سياسية وهمية، وقامة ثقافية "فالصو"، أو بتعبير يوسف زيدان شخصياً "مجرد هوا".
قبل أكثر من ثلاث سنوات، ومع سيطرة السيسي على مقاليد السلطة، في أجواء تنتمي بالكلية إلى عالم الشعوذة والسحر، قلت إن مصر تتحوّل تدريجياً إلى "دولة فوتوشوب"، مجرد تكوينٍ فوق رمال ناعمة على شاطئ بحرٍ صاخب، مع أول موجةٍ تنهار الأكاذيب والأوهام، ليرفع الستار عن زعامةٍ كرتونيةٍ مصنوعة في ورش إعلام بلغ من العبط عتياً، يحاول أن يعتصر من حكايات السابقيْن، جمال عبد الناصر وأنور السادات، ما يكفي لرسم صورة "جنرال معاصر كبير".
هي وضعية تشبه حالة "بونابارت الصغير" بعد انقلاب 1851 في فرنسا ووصفه كارل ماركس بالقول "مع ما هو عليه من قلة البطولة، اقتضى إخراجه إلى حيز الوجود، بطولة وتضحية وإرهابا، واقتضى حربا أهلية ومعارك بين الشعوب"، مستعرضا تاريخا من المحاكاة القسرية، حتى يصل إلى ذلك "المغامر الذي كان يخبئ ملامحه التافهة المنفّرة تحت القناع الحديدي لنابوليون الميّت".
يستمر النفخ في البالونات، وتعبئتها بالهواء الملوث، وتحريكها في الفراغ، فيما تنبت أشواك الغضب على الأرض، وتعلو رويداً رويداً، مقتربة من البالونات.
أضف تعليقك