منذ تغيّرت الظروف الإقليمية على "حماس"، أدار الرئيس عباس ظهره لغزة، تجاهلها طويلًا، ونسيها زمنًا، إلى أن تذكّرها فجأة فصبّ عليها جام غضبه وعذابه، لاحقها بما سماه "الإجراءات العقابية" ضدّ غزة، عقوبات جماعية طالت كلّ فردٍ، حتى من التزموا أوامره وأعطوه البيعة والولاء.
أكثر من عشر سنين مضت على "الانقسام"، لم يبد خلالها الرئيس عباس رغبةً صادقةً في المصالحة، واكتفى بترداد كلامه الممل، عن الشرعية والانقلاب، ووحدة التمثيل والقرار (يقصد: وحدتهما في يده طبعًا)، حتى لوّحت له حماس بورقة "دحلان"، الوريث المفروض من الإقليم والعالم، شريك الانقلاب على عرفات، وعلى نتائج الانتخابات التي أتت بحماس، الشابّ الطموح (مقارنةً بعباس)، الذي أراد أن يعود إلى الساحة من البوابة الملتهبة "غزة"!
حينها فقط، هرول عبّاس إلى المصالحة، لقد جاء الرجل مكرهًا، والإكراهُ على الصلح، قريبٌ من الإكراه على الإيمان، كلاهما لا ثمرة له! إذا لم يكن للمتصالحين نيةٌ حقيقية، فلا تكادُ تصحّ له فرصة، أو ينعقد عليه أمل! تعرفُ ذلك الإكراه في التصريحات السلبية التي سبقت إعلان الاتفاق، وتزامنت معه، وتلته! تصريحاتٌ تماطلُ في رفع العقوبات التي فرضها عباس على غزة، وأعلن أن رفعها مرهونٌ فقط "بحلّ اللجنة الإدارية"!
فاجأت حماسُ عباس بحلّ اللجنة، فكأنما سُقط في يده! غير أنه لم يخجل منذ الليلة الأولى، أن يصرّح ملء الفم أنه "مش مستعجل" في مسألة رفع العقوبات هذه! هنا يحضرني كمٌّ لا بأس به من الأمثال الشعبية أهمها: "اللي إيده في المي، مش زي اللي إيده في النار"، و "اللي بياكل العصي.. مش زي اللي بيعدها". قيل بعدها: إن رفع العقوبات سيكون بعد التقاء الوفود بالقاهرة، ثم التقت الوفود ولم تُرفع، ثم قيل غير ذلك، والمماطلات لا تنتهي!
ثمة عقدة واحدة يعرفها الجميع يمكن أن تعطّل العملية برمتها، ومنذ اليوم الأول ألمح إليها الرئيس عباس حين قال: "إنه لن يسمح بنموذج حزب الله"، إنها قضية "سلاح المقاومة"، تصريحات من هنا وهناك تذكر سلاح المقاومة عائقًا من عوائق إتمام المصالحة! آخرها تصريحات "حسين الشيخ" عضو مركزية فتح على تلفزيون السلطة الرسميّ، يتحدث عن "السلطة الواحدة، والقانون الواحد، والقرار الواحد، والسلاح الواحد"، تحدّث الرجل مرّتين عن توحيد أشياء عامة كهذه، وفي المرتين كلتيهما ختم بالحديث عن "وحدة السلاح"!
حين يتحدث محمود عباس أو أي من قادة سلطته أو حركته عن سلاحٍ واحد، فلا يعنون بذلك إلا السلاح المختوم عليه بالختم "الإسرائيلي"، وعلى قفا حامليه بالختم الأمريكي، أما سلاح المقاومة فهو برأي "الشيخ" سلاح "ميليشيات وعصابات"! هكذا قالها بلسانه على الهواء!
جرّبت حماسُ السلطة مرّتين: مرّة في 1996، حين قررت أن تستسلم للاعتقالات وألا تقاوم الحملة التي شنتها أجهزة السلطة لتجريدها من سلاحها، والقضاء على جناحها العسكريّ، ولم تكن التجربة سارّة بالمطلق، مما جعلها تتعلّم من ذلك في تجربتها الثانية بعد عشر سنين، حيثُ قاومت المحاولة الانقلابية على نتائج الانتخابات، وخاضت مع الأجهزة صراعًا مريرًا انتهى بالحسم العسكريّ المرّ، وطرد السلطة من القطاع كله. لم تكن تجربة رائعةً طبعًا، لكنها بالنسبة لحماس كانت خيرًا من الأإذا عرفنا أن "حماس" لا تقبلُ العبث فيما يتعلّق بسلاح المقاومة، وأنّ سياستها منذ مطلع الانتفاضة الثانية هي "قطع اليد التي تمتدّ لسلاح المقاومة"، ثم رأينا الرئيس عباس ومن حوله يصرّون يومًا بعد يوم على جعل قضية السلاح محور إتمام المصالحة أو إفشالها، فإنّ أغلب الظنّ أن الرئيس ومن حوله يقودون البلد ثانيةً إلى حربٍ أهلية!
فإذا ما وضعنا في الحسبان الأخبار عن كون السلطة فتحت باب التجنيد في الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، محددةً الأعمار بمن هو دون الثانية والعشرين، تزداد الشكوك حينئذ عن كون القوم يحضّرون الجيش الذي يُراد له أن يكون وقودًا لهذه الحرب، وتتعزز النظرية المتشائمة عن كون طرفٍ من طرفي المصالحة لا يتخذها إلا جسرًا نحو القتال!
لا خوف على المقاومة وسلاحها من مخطّطٍ كهذا، لا أظنّ النتائج ستكون بعيدةً مما جرى قديمًا، الأعداد الكبيرة، والتدريب الأميركي، والتسليح الصهيونيّ ليست كفيلةً بالفوز، لكن الخوف الأكبر هو على دماء الناس! إنّ الذي سيدفعُ بهؤلاء إلى الحرب الأهلية لا ينتظر فوزهم بالضرورة، ولا يأبه لدمائهم ولا دماء خصومهم بطبيعة الحال، إنّما يكفيه أن تُهدر دماؤنا بأيدينا، ويسعده أن تنشغل المقاومة عنه بقتال بني جلدتها.ولى. ولازال -وفق علمي- موقفها على ما هو عليه تجاه أي محاولةٍ للمساس بسلاحها.
إذا عرفنا أن "حماس" لا تقبلُ العبث فيما يتعلّق بسلاح المقاومة، وأنّ سياستها منذ مطلع الانتفاضة الثانية هي "قطع اليد التي تمتدّ لسلاح المقاومة"، ثم رأينا الرئيس عباس ومن حوله يصرّون يومًا بعد يوم على جعل قضية السلاح محور إتمام المصالحة أو إفشالها، فإنّ أغلب الظنّ أن الرئيس ومن حوله يقودون البلد ثانيةً إلى حربٍ أهلية!
فإذا ما وضعنا في الحسبان الأخبار عن كون السلطة فتحت باب التجنيد في الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، محددةً الأعمار بمن هو دون الثانية والعشرين، تزداد الشكوك حينئذ عن كون القوم يحضّرون الجيش الذي يُراد له أن يكون وقودًا لهذه الحرب، وتتعزز النظرية المتشائمة عن كون طرفٍ من طرفي المصالحة لا يتخذها إلا جسرًا نحو القتال!
لا خوف على المقاومة وسلاحها من مخطّطٍ كهذا، لا أظنّ النتائج ستكون بعيدةً مما جرى قديمًا، الأعداد الكبيرة، والتدريب الأميركي، والتسليح الصهيونيّ ليست كفيلةً بالفوز، لكن الخوف الأكبر هو على دماء الناس! إنّ الذي سيدفعُ بهؤلاء إلى الحرب الأهلية لا ينتظر فوزهم بالضرورة، ولا يأبه لدمائهم ولا دماء خصومهم بطبيعة الحال، إنّما يكفيه أن تُهدر دماؤنا بأيدينا، ويسعده أن تنشغل المقاومة عنه بقتال بني جلدتها.
أضف تعليقك