لم تنته بعد معركة الواحات التي راح ضحيتها العشرات من الضباط والجنود، حيث لا يزال البحث جاريا عن مفقودين وأشلاء، ولم تتأكد مسؤولية أي جهة عن الجريمة التي تفرقت دماؤها بين تنظيم "داعش" والقاعدة ومجموعة الضابط السابق هشام عشماوي إلخ، أو حتى تصفية حسابات داخل أجنحة النظام ذاته، ولعل إشارات كلا من الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي ورئيس الوزراء السابق، والفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق - عن تعرض قوة الشرطة لخيانة- تسند جزئيا هذه الفرضية، وعلى العموم فإن تحقيقا شفافا بات أمرا ضروريا لكشف جوانب هذه الجريمة الكبرى، والجهات الضالعة فيها، وتقديم المسؤول عنها للعدالة.
ودونما انتظار لنتائج التحقيق الجنائي في هذه الجريمة التي أودت بحياة هذا العدد الكبير من النخبة العسكرية (تجاوزا الخمسين ضابطا وجنديا حسب بعض الروايات الإعلامية) فإن المسؤول الأول عنها سياسيا هو الجنرال عبد الفتاح السيسي، بحكم سيطرته الفعلية على مقاليد الحكم والدولة حاليا، وإلى جانبه يتحمل المسئولية كل أركان حكمه ومنهم وزير الداخلية الي توقع الكثيرون الإطاحة به لتهدئة الغاضبين على الأقل، لكن ذلك لم يحدث، في تكرار لرد الفعل الرسمي على جريمة مقتل النائب العام السابق هشام بركات في عهد الوزير نفسه مجدي عبد الغفار، هذه البلادة في ردة الفعل تثبت ان هذا النظام لا يأبه بتلك الدماء التي تنزف، والتي لم يكلف خاطره بإعلان حداد عام حزنا عليها، بل تركها السيسي تنزف متوجها إلى مدينة العلمين(غرب الإسكندرية) ليشارك المحتفين بالذكرى الخامسة والسبعيين للحرب العالمية الثانية على أنغام الموسيقى وقرقعة الكؤوس.
الدرس المستفاد من هذه الجريمة -كغيرها مما سبقها من جرائم - هو أن سلسال الدم لن يتوقف ما لم تتم معالجة جذوره. وهكذا فمن المتوقع أن تستمر حمامات الدماء طالما استمر هذا الجنرال وعصابته في السلطة، ذلك أنه يتغذى على هذه الدماء، ويقدم نفسه من خلالها للعالم أنه في حالة حرب دائمة مع الإرهاب تستدعي تضامن العالم ودعمه له، ورغم الهزائم المتتالية التي يتعرض لها في ساحات المواجهة مع الجماعات المسلحة سواء في الصحراء الشرقية (سيناء) أو الصحراء الغربية مثل الفرافرة وسيوة والواحات الخ، فإن السيسي يسخر أذرعه الإعلامية لإيهام الشعب بأنه حامي الحمى، وأنه أنقذ مصر من الإرهاب المحتمل، والحقيقة أنه أدخلها في الإرهاب الذي لا يحتمل، والذي يحصد يوميا أرواح ضباط وجنود ومدنيين مصريين.
حمامات الدم التي شهدتها مصر في ظل حكم الإنقلاب العسكري بدءا من مذبحة الحرس الجمهوري الأولى والثانية والمنصة ورابعة والنهضة ورمسيس، والدقي، وسيناء، والفرافرة وسيوة، ومدينة نصر، وكنائس المرقسية والإسكندرية وطنطا الخ، آن لها أن تتوقف، فكل هذه الدماء هي دماء مصرية، وكل الدم المصري حرام، وتوقف هذه الدماء هو مسؤولية كل وطني وعاقل في مصر سواء كان في مؤسسات عسكرية أو مدنية، أو سياسية، أواقتصادية الخ، فالوطن ملك لكل أبنائه، وإنقاذه مسئولية كل هؤلاء الأبناء.
الخشية الحقيقية الآن هي أن هذا النظام الذي يتغذى على دماء المصرين قد يقدم من ناحيته على رد بشع بتنفيذ أحكام الإعدام الظالمة بحق بعض المعارضين السياسيين، أو بتصفية العشرات من المختفين قسريا، والمحتجزين لديه، وسيدعي بأنهم كانوا شركاء في جريمة قتل أولئك الضباط والجنود سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما دأب النظام على فعله مرات كثيرة من قبل عقب كل حادث دموي يتعرض له بعض رموزه للتغطية على فشله، وإيهام البسطاء بتحقيق نصر في معركة وهمية.
هذه الهزائم المتكررة للنظام، والتي يكون ضحيتها أرواح أبناء الشعب من مدنيين وعسكريين جديرة بإفاقة من لم يفق بعد من سكرات الإنقلاب، وجديرة بأن تنقلهم إلى صفوف المناوئين له، وهذه الجرائم المتصاعدة بحق الشعب جديرة بأن تدفع كل القوى الوطنية الحية للتوحد خلف مشروع للخلاص من هذا الحكم العسكري الذي أفقر البلاد وأذل العباد، وخان الوطن وفرط في حقوقه، وضحى بشبابه.
وإلى جانب ضرورة التوحد في مشروع وطني للخلاص من هذا النظام، فإن مصالحة مجتمعية واسعة باتت أمرا ملحا وعاجلا، لتنهي ما زرعه السيسي من شقاق بين المصريين يطيل أمد حكمه، ويبقي الشعب مقسما متناحرا لا يقوى على مواجهته، ولا يعرف حقوقه، ولا يواجه ظلما وقع عليه.
لا بتر للإرهاب إلا بالقضاء على منابعه وفي مقدمتها الإستبداد والظلم والقهر، ولاعصمة لدماء المصريين سوى برحيل هذا النظام، ولا استقرار للأوضاع في مصر سوى بعودة الحرية والعدالة والحقوق لأصحابها، وساعتها لن يجد الإرهاب له مكانا بيننا.
أضف تعليقك