إن ما حدث في بداية هذا الأسبوع وأحدث اضطرابًا عنيفًا وهزةً قوية في المجتمع وفي النظام الحالي ودولته ومؤسساته له مدلولات قوية يجب أن تستوقف كل أفراد المجتمع فردًا فردًا قبل أن نستيقظ ونحن علي قمة التيه وفي سدرة منتهي السقوط وتحلل كل أركان ما تبقي من الدولة.
المدلول الأول : أن المواجهة المسلحة مع النظام وأجهزته الأمنية تُظهر العوار وقلة الكفاءة في كل مناحي الاستعداد الذي تكون من نتائجه كل هذه الخسائر وكل هذه الدماء.
المدلول الثاني : غطرسة وغرور كل قادة الأجهزة الأمنية وصغار الرتب واستفحال العظمة لديهم ليست إلا علي أبناء الشعب العُزل والمقيمين داخل الحيز العمراني الذي يضمن فيه النظام استعراض بأسه وقوته دونما أن يتعرض إلي شيء يُنقص من هيبته المزعومة ودونما وقوع خسائر في صفوفه ، والذي يبدو في ارتداء كل طاقم المأموريات للأفرول المخصص للفسحة وللخروج ، فهو في نزهة لا يرتدي فيها سوي ( الحتة اللي ع الحبل) فلن يواجههم أحد.
المدلول الثالث : أن الصلف والغرور جعلهم يثقون في ولاءات الجميع ممن حولهم مما أعطي الفرصة كاملة لظهور طابور من المنتفعين ممن فهم الدرس ووعي الأحداث فجعل من خيانته سبيلًا إلي الرزق والثراء مع ضمانة أنه لن ينكشف لعلمه ويقينه بتهاوي الجهاز والخواء الداخلي الذي تسبح فيه كل أجهزة الأمن ، فهو علي استعداد ليفعل أي شيء مقابل المال حتى لو كانت حياة من يعمل بينهم وينتظم في صفوفهم كما رأينا.
المدلول الرابع : قد يري من يحيد عن الصواب ويفكر في المواجهة المسلحة أن الأمر ليس بالصعب ولا يحتاج إلي أفراد كثيرة ، فقط احزم أدواتك واستخدم عقلك وتوصل إلي من يمكنه مساعدتك من داخل الجهاز فهو سوف يعطيك شفرة النجاح ويسلمك رقاب من تشاء من القيادات طالما تملك كلمة السر في هذا الأمر وهو الثراء واعتقد أن هذا المدلول هو الأخطر ، فمن كان يستصعب الأمر ويخاف سيفكر في الأمر طالما أن التفوق عليهم محتوم.. وهذا ضوء أحمر متقطع ومتوالي ينذر الجميع .
المدلول الخامس : أن استمرارية هذا الوضع باتت مستحيلة ، وبقاءه أصبح في العد التنازلي فكمية الدماء كفيلة بإغراق المجتمع كل المجتمع في أتون حقد وتربص لا يعلم مداهم إلا الله.
المدلول السادس : أصبحت جهوزية كل الأجهزة بما فيها الجهاز الأعظم الذي يضع يده علي كل مقدرات الدولة محل شك من الجميع جراء هذا الفشل الذريع وهذه الأرواح التي تتساقط علي يديه في سيناء أو علي يد من لم يستطع مقاومتهم في الواحات فغدت الخسارة بسببه كبيرة وفوق الطوق .
المدلول السابع : اشتعال العداء بين جهاز أمن الدولة وبين معظم فئات المجتمع ، والذي أنشأ ميدانًا أصيلًا وقويًا للصراع الذي تجاوز دعوات المظلومين والمقهورين إلي التخطيط والتدبير والقتل بطريقة يبدو فيها احتراف من كانوا يستهينون بهم وبقدراتهم حتي أوردهم ظنهم بهم إلي المهالك وظهورهم بمظهر العاجز الذي لا يستطيع الصد عن نفسه وتأمينها فكيف له وهو بهذا الوهن أن يؤمن دولة.
المدلول الثامن : ذلك الانفصام بين القيادة وبين الأجهزة والذي كنا نظنهم متماسكين والذي بدا واضحًا في ترك السيسي لكل هذه الدماء وهذه الأحداث وذهابه إلي العلمين لأحياء ذكري معركة لا ناقة لنا ولا جمل ، ولم يتأثر بكل هذه الدماء ويعلن حالة الحداد العام وكأن ما حدث كان في دولة النيجر الشقيقة.
المدلول التاسع : تأكد بما لا يدع مجالًا للشك عند من كان يدافع ويتشنج لهم ، أنهم أحذية وأحذية رديئة في أقدام هذا النظام ، ففي الوقت الذي كانت كل وكالات الأنباء تتابع الحدث عن كثب وهو مدار برامجها وحواراتها ، كانت قنوات النظام تتحدث عن الرجيم وفوائده ، وبرامج أبلة فاهيتا ولم يتغير موعد مسلسل من المسلسلات وكأن ما يحدث هو خيال ومنكر من القول وزورًا ويجب عليهم الترفع عن الخوض فيه ، طالما أن أباهم الذي أصبحنا نجهله لم يصدر إليهم أمرًا بذلك. وبدأ البكاء والعويل حينما أُذن لهم وحزنوا كما لم يحزنوا من قبل طالما أُمروا بذلك.
المدلول العاشر : تربص ذوي القلوب المريضة وذوي المصالح والسدنة وولاة الفساد ومراكيب النظام للإخوان من أول وهلة.
فقد امتلأت صفحاتهم بالاتهامات للإخوان دون أن يعرفوا حتي حقيقة ما حدث ، ولم يردعهم أن النظام نفسه تعفف وللمرة الأولي عن الاستباق باتهامهم ، ولكنهم دأبوا علي ذلك واستمرئوه والله يعلم إن المنافقين لكاذبين.
المدلول الحادي عشر : أن عموم الناس علي الرغم من أسفها لما حدث إلا أن هناك حالة من الصدمة وفقدان التوازن ما بين الأسف وبين النتيجة التي وصل إليها هذا النظام علي أقدام الفاسدين وكأن هناك حالة تسود في المجتمع تتراوح بين الحزن علي من قتلوا وبين الشعور بالمشاركة في أحزان من قد مات أبناءهم وأزواجهم بدم بارد.. وهو يفسر حالة الانقسام داخل المجتمع التي أسس لها الانقلاب منذ زمن وروج لها بانتوا شعب واحنا شعب ليكوا رب واحنا رب.. ووطدت لهذه الحالة بالشماتة في دماء من قتلوا في رابعة والنهضة وكأنهم بلا أهل تقتلهم هذه الشماتة ، ووطد لها ذلك الحديث الممجوج لأحد أقارب أحد الضحايا حينما قال متباهيًا بأن هذا الضحية شارك في فض اعتصام رابعة الإرهابي.
المدلول الثاني عشر : هو أن اعتصام رابعة لم يكن مسلحًا ، لأنه لو كان مسلحًا لم جسرت هذه القوات التي قامت بالاقتحام والفض أن تقترب من الميدان ، ولكن عيونهم التي بثوها داخل الميدان من اليوم الأول هي من أكدت لهم وأثبتت لهم أن الميدان نظيف من أي أسلحة مما دفع النظام إلي اتخاذ قرار الفض والاقتحام والتنكيل بالمعتصمين السلميين.
كل هذه المدلولات تدفع جميع الأجهزة دفعًا إلي الانفصال عن أي عمل سياسي والانحياز لأمن الشعب وفقط والذي إن تحقق فسيأتي تابعًا له أمن الدولة.... علي كل الأجهزة أن تخلع نفسها من أي انتماء إلي لهذا الشعب وهذا الوطن ، فالأنظمة متغيرة والشعب والوطن ثابتين.
أضف تعليقك